 (1).jpg)
أسامة داود يكتب عن: كواليس منجم السكرى ولعبة التسقيع!

كنوز مصر تكتنفها الجبال الشاهقة وفى أعماق الأرض الغائرة، بينما تفتقد الحكومة الحكمة والحنكة والرؤية، تتغير الوجوه والأساليب وتبقى الرؤوس.. نفس الرؤوس تحمل عقولًا تُخاصم التطور والتقدم والتكنولوجيا.
الكل يفضل السير داخل الحيط وليس بجانبه!
وإن كانت هيئة الثروة المعدنية تحمل تاريخا يوازى ضعف عمر وتاريخ بعض الدول لكنها لا تزال تدار بعقلية القرون الوسطى!.
حتى المشروعات التى حققت نجاحا لم يكن ليتحقق إلا بمعجزة من الله وحتى يتحول إلى نواة يتوكأ عليها الاقتصاد المصرى الذى كان ولا يزال يمر بأزمات لا أزمة واحدة، وبعد توقف من الإنتاج دام أكثر من 60 سنة.
حكاية السكرى الذى سبق أن زرته مرتين خلال العقد الأول من القرن الحالى.. لم تكتمل خيوطها ولا تزال صدور القائمين عليه تختزن العديد من أسراره.
كنت حريصًا على الوصول للحقيقة ليس من مصادر حكومية تتحدث رسميا فترسم الكلمات وتدقق العبارات وتُزين الواقع لكل أصناف وأنواع المساحيق والمكياج.
التقيت بالمهندس يوسف الراجحى المستثمر فى مشروع السكرى.. أريد أن أعرف حقيقة السكرى من البداية دون تزويق أو إخفاء أو تزييف.
قلت له.. لا أريد الحديث عن كمياته التى أعرفها وهى 83 ألف أوقية فى العام الأول لإنتاجه وهو 2010 وتدرج الإنتاج حتى بلغ 550 ألف أوقية فى عام 2017.
لا أريد أن تقول لى إنه مشروع واحد استطاع أن يحقق لمصر إنتاجا بلغ 17 ألف طن على مدار تلك السنوات السبع الماضية.
أريد كواليس المزايدات والترسية الأزمات والمشكلات والعقبات التى دفعتكم فى الماضى للجوء للتحكيم الدولى والقضايا؟.
وأسباب لجوء بعض الشركات الآن فى مناطق أخرى لنفس الأسلوب من القضايا؟.
يقول يوسف الراجحى مشروع السكرى يقع فى خطة شركة سنتامين ضمن 10 مشروعات كان مقررا إنشاؤها فى منجم السكرى بعدما تم حصولنا على امتياز المشروع!
قال: للأسف شركة سنتامين بدأت العمل فى السكرى بمشروع واحد وكان أملنا أن نقيم 10 مصانع مشابهة للمصنع الحالى وكانت طبقا لدراسات الجدوى بناء على الأراضى التى خصصت لنا وكانت مساحتها 5500 كيلومتر مربع.
وطبقا للاتفاقية فقد تخلينا عن 50% من المساحة على مدار 4 أعوام وقررنا دخول مرحلة الإنتاج من المناطق التى أثبتنا وجود ذهب بها وهى تقارب الـ3 آلاف كيلومتر مربع.
ويقول الراجحى إن فترة الاستكشاف الخاصة بى 7 سنوات وقبل انتهاء السنة السادسة نجحنا فى تحقيق اكتشاف تجارى وقدمنا معها خطة عمل تتضمن 10 مشروعات يتم إنشاؤها تباعا وكان مقررا أن يكون خلال سنوات قليلة قد دخلوا جميعا الإنتاج.
وكان الـ3 آلاف كيلومتر قد تحولوا من البحث إلى الاستغلال وحصلنا على خطاب من الدكتور مصطفى الرفاعى بالبدء فى إنشاء أول مشروع وبعد خروج الرفاعى الذى لم يستمر كثيرًا، تولى الدكتور على الصعيدى وزارة الصناعة وقام بسحب الأرض والإبقاء لنا على مساحة نصف كيلومتر مربع فقط، وبما يشبه إعلانا عن رغبة الحكومة بوقف التنقيب واستخراج الذهب!
الحل المر
يضيف الراجحى أن التوقف واللجوء إلى التحكيم الدولى كان الحل المر الذى أُرغمنا عليه، وقبل صدور الحكم النهائى انتقلت الثروة المعدنية فى 2004 إلى قطاع البترول والذى يتفهم أسلوب البحث والاستكشاف واستخراج المعادن وهو ما يقارب الإجراءات المتبعة فى البترول.
والتقينا بالمهندس سامح فهمى وقتها وطلب أولا سحب القضية من التحكيم الدولى مؤكدا أنه يعرف أن مساحات البحث فى الثروة المعدنية تقارب اتفاقيات البحث عن البترول والغاز الطبيعى وأنها تحتاج إلى مساحات كبيرة.
لكن يصعب عليه كوزير فى الحكومة أن يتفاوض مع طرف يقاضى مصر خارجيًا.
يضيف الراجحى قائلًا وباعتبارى مصريًا ووطنيًا اتفقنا مع سامح فهمى فى هذا الطرح ودون أى ضمانات رغم أننا كنا فى المراحل النهائية للتقاضى، ولأننا قد لمسنا الصدق فى كلام الرجل قررنا سحب الدعوى القضائية من التحكيم الدولى أولا والتقينا به ثانيا ليبدأ بحل عملى إلى حد ما وهو وتخصيص مساحة 160 كيلومترا لإقامة أول مشروع مع وعده فى المستقبل بتسليمنا باقى المساحة لاستكمال مشروعاتنا فى حالة نجاحنا.
ويشير الراجحى إلى أن خطة المشروع كانت جاهزة على التنفيذ فتم تحديث الدراسة والتكاليف وتم على الفور البدء فى إنشاء منطقة سكنية ومنطقة مصانع وخط مياه بطول 25 كيلومترا.
وأنفقنا ما يصل إلى ؟؟؟؟ على مدار ؟؟؟ سنة قبل أن نبدأ الإنتاج.
يقول يوسف الراجحى إن تركيز الذهب بمنجم السكرى يتراوح ما بين نصف جرام إلى 6.5 جرام للطن بناء على الدراسات المستفيضة التى أجريت قبل بدء التشغيل.
عملية الاستخراج تتم لكل طن به نسبة من الذهب مقابل استبعاد 5 أطنان ليس بهم ذهب.
سألت يوسف الر اجحى عن خطتهم للقيام بإنشاء مزيد من المشروعات على غرار السكرى.
يضيف الراجحى مؤكدًا أن مشروع السكرى القائم يمكن أن يستمر 30 عاما أخرى بمتوسط إنتاج سنوى 500 ألف أوقية وفى ظل الاحتياطى الحالى الذى يصل إلى 14 مليون أوقية هذا بخلاف ما يمكن أن يضاف إليه مع دراسات جديدة داخل الـ160 كيلومترا لزيادة حجم الاحتياطيات.
سألت يوسف الراجحى هل تقتصر شركتكم على العمل داخل مصر؟
بالطبع لا.. لأن قدرتنا الاستثمارية أعلى من البقاء على مشروع واحد فى مصر وانتقلنا إلى عدد من الدول الإفريقية للاستثمار فيها ونحن مُرغمون على ذلك.
ومصر أفضل دولة إفريقية يمكن الاستثمار فيها والسبب أن فى مصر أمانا وبها شبكة طرق وليس بها أمراض والشباب المصرى لديه قدرة على التعلم بسرعة واكتساب المهارات.
أيضا لدينا فى مصر صناعات كبرى نجد من يقوم بإنشاء المعدات والمهمات التى تحتاج إليها المشروعات على خلاف إفريقيا والتى فيها نعتمد على استيراد كافة احتياجاتنا من الخارج، بالإضافة إلى وجود بنية تحتية حاليا فى السكرى توفر الكثير من المصروفات الثابتة لأى مشروعات أخرى.
ويضيف الراجحى قائلًا: نحن مُرغمون على ضخ استثماراتنا فى الخارج ونعمل حاليًا فى بوركينافاسو وكوت ديفوار وبمساحات 4 آلاف كيلومتر مربع مساحة المنجم هناك ولكننا فى مرحلة البحث.
ثانى دبى وأتون.. فنكوش!!.
كنا فى انتظار تنفيذ المهندس سامح فهمى لوعده بإعادة المساحات المتبقية من مساحة الـ3000 كيلومتر إلينا مرة اخرى للبدء فى إنشاء مشروعات جديدة عليها لكننا فوجئنا بعمل مزايدة عليها فى 2007 وتم تخصيص جزء لإحدى الشركات ثم 2009 طرحت الثروة المعدنية مزايدتين على المساحة المتبقية من الأراضى التى تم سحبها من شركة سنتامين وتم ترسيتها على شركتى ثان دبى وألكسندر نوبيا والأخيرة شركة كندية تحولت فيما بعد إلى مسمى "أتون" وللأسف لم تفعلا شيئا رغم مرور سنوات طويلة على الاتفاقية والتى انتهت فى 2013 لعدم جديتهما إلا أن هيئة الثروة المعدنية لم تسحب الأرض وتركتها لهما دون استغلال.
سألت يوسف الراجحى ولكن إذا ما كانت تركت الأرض معكم كانت أيضا ستبقى دون استغلال حتى الآن خاصة أنكم مازلتم تعملون فى مشروع واحد فى مساحة 160 كيلومترا مربعا؟
أجاب قائلا.. المشروع الأول هو الأكثر استهلاكا للوقت خاصة لأنه يتضمن إنشاء بنية تحتية تضمنت خط مياه لطول 25 كيلومترا مربعا وطرق وغيرها بينما تقام المشروعات الأخرى بحد أقصى عامين على الأكثر.
قلت كانت دراستكم تعتمد على إنشاء 10 مشاريع مماثلة لمشروعكم القائم بالسكرى.. كيف يتم ذلك ومن أين توفير كل تلك الاستثمارات خاصة أنكم استغرقتم 6 سنوات بدأت من 2004 حتى بدأتم الإنتاج فى 2010؟
قال الراجحى إن الزمن والتكاليف للمشروع الأول تمثل معظم الاستثمارات ولو كانت معنا تلك الأرض لأنشأنا باقى المشروعات العشرة فى مدة لا تستغرق عامين لكل مشروع، والسبب أن البنية التحتية للمشروع الأول تصلح لباقى المشروعات ولا تحتاج سوى إضافات بسيطة بالإضافة إلى العنصر البشرى الذى قمنا بتأهيله فأصبح لديه القدرة على إدارة باقى المشروعات.
سألته وإن كان هذا الأمر متاحًا لزيادة استثماراتكم فلماذا لم يتم سحب الأرض وتخصيصها لكم والتفاوض على الشروط التى ترون أنها مزعجة؟
قال للأسف من الصعب أن يتم سحب الأراضى من تلك الشركات التى تقوم بتسقيع الأرض والسبب أن الشركة الأولى كان يجب أن يتم إبعادها منذ عام 2011 بعد العام الرابع لها، وأن الشركة الثانية كان يمكن سحب الأرض منها فى عام 2013 وهو عام انتهاء المهلة الخاصة بها لكن من الصعب أن تستطيع تنفيذ ذلك حاليًا.
ولكن يسأل البعض ما السبب فى عدم القدرة على تنفيذ القانون على الشركات غير الجادة وقت عدم التزامها، ومن الذى ترك أمر تمديد الاتفاقية بشكل ودى عاما بعد الآخر دون شروط ملزمة للشركات غير الجادة؟
ما الأسباب التى ترغم الهيئة على عدم سحب 3 آلاف كيلومتر من شركتى أتون وثانى دبى حتى الآن؟
ألم تعلم الهيئة ووزارة البترول أن الشركتين عرضتا على شركة سنتامين التخلى لها عن الأرض بمقابل، هذا ما يؤكده يوسف الراجحى قائلا كل الشركات التى حصلت على مساحات للبحث عن الذهب جاءت وعرضت علينا أن تتخلى لنا مقابل مبالغ مالية ورفضنا ذلك!.
هل تستمر تلك المناطق دون استغلال حتى بعد مرور ما يقرب من 10 سنوات على بقائها فى حوزة الشركتين وكلتاهما تعمل على تسقيعها.. بمعنى أدق تحويل مستقبل مصر إلى مجرد سبوبة.
السبب هو أن تلك الشركات حصلت على مد المهلة عاما بعد الآخر خارج الاتفاقية حتى وصلت المدة إلى 7 سنوات والسبب ميوعة من جانب قيادات الهيئة، وبالتالى يفقد هيئة الثروة المعدنية الحجة إذا ما لجأت تلك الشركات إلى التحكيم الدولى.
سألت الراجحى ولماذا لم تقم بالتقدم بالمزايدة على الأراضى التى تم طرحها فى مزايدات بعد سحبها منكم؟
كانت شروط المزايدات مجحفة ولا يمكن قبولها.
ولماذا قبلتها شركات أخرى؟
قبولها من الآخرين جاء على أساس عدم وجود خبرة لهم أو جدية ولكنها تأتى فى إطار عملية تسقيع للمناطق خاصة أنهم لا يملكون قدرات فنية أو مالية، وقد تأكد ذلك من أمرين الأول قيامهم بعرض تلك المناطق علينا لشرائها ولكننا رفضنا لأن القانون يلزمنا بالالتزام ببنود الاتفاقية إذا انتقلت إلينا، أما الأمر الثانى وهو عدم قيامهم بعمل أى مشروعات عليها حتى الآن رغم انتهاء المهلة القانونية لهم منذ 6 سنوات.
فشل الشركات بسبب عدم وجود القدرة الفنية والمالية فى الإنفاق على عمليات إنتاج منظمة والتى تحتاج إلى المال.