 (1).jpg)
أسامة داود يكتب: الثروة المعدنية دماء مهدرة

هل يتحول المؤتمر العربى الخامس عشر للتعدين المنعقد فى القاهرة اليوم الى زورق نجاة لانتشال الثروة المعدنية فى مصر من الغرق ؟.
من هنا نكشف جزءا من الحقيقة التى تتجاهلها الحكومات المتعاقبة . وسط عشوائية مطلقة وقطاعات مختلفة وقرارات متضاربة أسقطت الثروة المعدنية من ذاكرة الدولة وظلت كَنزًا يبدد ويُهدر على يد أباطرة نجحوا فى عرقلة إصدار تشريعات حقيقية واجهاض فكرة توحيد اصدارة القرارت لإنقاذ تلك الثروات. نعم مطلوب تشريعات جادة ووزارة مستقلة . الحل يجب أن يتجاوز أيضاً مجرد إنشاء وزارة تتبعها المناجم والمحاجر، والمساحةالجيولوجية وتملك حق تنشيط البعثات الجيولوجية وإصدار التراخيص، وإدارة مشروعات. مطلوب وزارة جديدة للتعدين تتمتع قياداتها بإمكانات علمية وكفاءة إدارية وقدرة على اتخاذ القرار ، وأن يكون هناك جهة واحدة فقط تملك حق إصدار القرارات بشأن الثروة المعدنية تملك السلطة وتتحمل المسئولية كاملة. وعلى أن تستطيع وضع خطة متكاملة من خلال الخريطة التعدينية والمحجرية التى تملكها مصر.
ويأتى تحديد المشروعات اللازمة وطرح المزايدات بناء على دراسات اقتصادية، ليس لتبديد الخامات بالتصدير ولكن بالتصنيع أولا ، لتعظيم القيمة المضافة علمًا بأن التنقيب عن الثروات المعدنية يخلو من المخاطر التى تواجهها عمليات البحث والتنقيب عن البترول. وجود عدد من شركات التعدين حاليًا تتبع وزارات مختلفة يمثل خللًا يتنافى مع إدارتها بشكل اقتصادى سليم. والحل الأمثل لها يتطلب أن يتم ضمها فى كيان شركة قابضة حتى يتم التكامل بدلًا من التفكك . ومن تلك الشركات .. النصر للتعدين "التابعة لوزارة قطاع الأعمال"، وفوسفات مصر "تابعة لوزارة قطاع الأعمال"، وفوسفات مصر "تابعة لوزارة الاستثمار"، الوادى الجديد للثروة المعدنية والطفلة الزيتية "تتبع شركة جنوب الوادى القابضة للبترول التابعة لوزارة البترول"، والمصرية للثروات التعدينية "تتبع هيئة الثروة المعدنية"، الحديد والصلب المصرية التى تملك مناجم حديد بالواحات البحرية تتبع وزارة قطاع الأعمال، بالإضافة لشركات حمش والسكرى "شركات مشتركة بين هيئة الثروة المعدنية والشريك الأجنبى"، وشركة شلاتين.
والمطالبة بوجود كيان موحد هو من ضروريات اعادة اكتشاف الثروة المعدنية بشكل حقيقى . ورغم تعدد الشركات دون وجود شركة قابضة متخصصة تتولى التنسيق والتكامل فيما بينها ، جعل من تلك الشركات نماذج متصارعة لم يحقق أى منها نجاح يُذكر ، و أن القطاع الوحيد الذى حقق إنجازًا يعتد به هى شركة فوسفات مصر لأنها تعمل وفقًا لقواعد علمية جعلتها تتجه إلى التصنيع بدلا من تصدير الخامات فقط.
إيراداتنا 110 ملايين مقابل 15 مليار دولار لأوغندا!!.
الأرقام تقول إن أرباح هيئة الثروة المعدنية فى مصر العام المالى الأخير فى حدود 2 مليار جنيه أى ما يعدل 110 ملايين دولار ومعظم تلك العائدات جائت من شركة فوسفات مصر بجانب بعض الشركات الأخرى التى حققتها مقابل عائدات هزيلة قبل ذلك. وتتواضع تلك العائدات إذا ما قورنت بما تحققه دولة إفريقية مثل أوغندا وهو 15 مليار دولار سنويا. المفارقة أن أوغندا تتولى عمليات تصنيع لثرواتها المعدنية والقيام بتسويقها عبر كيان متخصص وليس بيعًا للخامات كما يحدث فى مصر، بعيدًا عن التصنيع أو حتى استخدام الأسلوب العلمى فى التسويق. وتوحيد القيادة هو الضمانة الوحيدة لتوحيد القرار حتى يمكن للإدارة وضع خريطة استثمارية مناسبة تستطيع أن تبرز كل ما لدينا من ثروات ، وأن تؤسس لبناء قوى يسير وفقًا لرؤية تسويقية وصناعية وفقًا لقانون يعمل للمصلحة العامة وليس لصالح مراكز القوى، خاصة أن تصنيع أى خامة يحتاج إلى سهولة فى الإجراءات والتراخيص. وهنا تأتى التساؤلات كيف يأتى المستثمر فى ظل عدم وجود جهة واحدة مسئولة ومعلومات غير مدققة. هناك تجربة السودان والتى تتضمن وزارة ثم وزير دولة ثم مجلس أعلى للثروة المعدنية. والسودان على سبيل المثال فى عام 2005 لم يكن لها ترتيب فى إنتاج الذهب على المستوى الإفريقى والعالمى، وفى عام 2017 أصبحت السودان هى الدولة رقم 2 فى إفريقيا..
وفى عام 2017 بلغ إنتاج السودان من الذهب 106 أطنان، بينما كل إنتاجنا من الذهب لا يتجاوز 17 طنًا سنويًا ، وهو من منجم السكرى. وأصبح ترتيب مصر على مستوى للدول العربية رقم 14 بالنسبة لاحتياطى الذهب فى البنك المركزى. كما أن ترتيبنا العالمى من حيث احتياطاتنا فى إنتاج الذهب هو رقم 40 دوليا ومن قبل السكرى لم يكن لنا ترتيب، ولم يتجاوز احتياطى مصر أكثر من 76 طنًا بنسبة 16% من الاحتياطى النقدى الأجنبى. الحل بجانب تشريعات مناسبة وخريطة استثمارية واضحة، من المفترض إنشاء مدن صناعية لتجميع الثروة المعدنية واستخدام تكنولوجيا تتناسب مع التطور العالمى لتحقيق أقصى استفادة من ثرواتنا المعدنية.
وبالعودة الى الماضى البعيد و تحديداً فى عام 1905 كان لدى مصر 3 مؤسسات تخص الثروة المعدنية منها.. المساحة الجيولوجية، ومؤسسة التعدين، ومصلحة المناجم والمحاجر والوقود والأخيرة هى الجهة التى تعطى التراخيص وتضمن تحقيق دخل للدولة. على خلاف ما يحدث الآن وهو إدارة ملف الثروة المعدنية بطريقة بدائية أدت إلى إهدار الكثير منها. ومن أهم هذه الثروات المعدنية .. الفلسبار، الرمال البيضاء، الذهب، رمال الزجاج، دولوميت، الحجر الجيرى، الطفلة، البازلت، الكبريت، الكوارتز، الباريت، الفوسفات الفرميكوليت، أحجار الزينة، الفحم ووهى تمثل ثروات مهمة للاقتصاد المصرى ويمكن طرحها للاستثمار فى المرحلة القادمة بالإضافة إلى أحجار الزينة والملح الذى يعتبر من الثروات المتجددة فى الصحراء الشرقية. فهل ينجح المؤتمر العربى الخامس عشر فى إثارة غيرة الحكومة المصرية وتحفيزها للقيام بواجبها تجاه ثروة أستبيحت وأهدرت دماؤها ووزعت على عشرات الجهات؟!