 (1).jpg)
أسامة داود يكتب : كيف نتخلص من الوقود السائل فى السيارات؟

من الإجراءات الأكثر فاعلية فى تنفيذ استراتيجية الانتقال بمعدلات سريعة من الوقود السائل إلى الغاز الطبيعى أن تبدأ الدولة بقرار تسهيل استيراد السيارات المجهزة للعمل بالغاز الطبيعى، وتشجيع طرحها بأسعار مناسبة للجمهور فى السوق المصرى، وتخفيض الضرائب عليها إو إعفاؤها منها؛ مما يشكل حزمة من الحوافز التى تشجع على التحويل للعمل بالغاز الطبيعى.
تأتى التوجيهات الرئاسية التى صدرت مؤخراً فى هذا الصدد كأحد أهم الحوافز التى تدفع تجاه التوسع فى استخدام الغاز الطبيعى وأنواع الوقود البديلة.
كما أن مبادرة مجلس الوزراء لتنسيق التعاون بين عدد من الوزارات والهيئات المعنية لتطوير هذا المشروع ودعم شبكة محطات التموين فى المحافظات المختلفة، وتوفير آليات تمويل جديدة لإنشاء تسهيلات التموين وتحويل المركبات للغاز الطبيعى، تمثل خطوة هامة لتنفيذ استراتيجية الحد من استنزاف موازنة الدولة فى الاعتماد على الوقود السائل فى السيارات.
الخروج من عنق الزجاجة
العديد من الدول نجحت فى التوجه لاستخدام الغاز الطبيعى كوقود للسيارات لتبنِّيها سياسات تتصل بالتحفيز وإصدار قوانين وتشريعات لدعم التوجُّه لاستخدام الغاز كوقود بديل.
ومنها إصدار قرارات سيادية حاسمة تفرض استخدام الغاز الطبيعى للسيارات فى وسائل النقل العام، وأن يقتصر الاستيراد على الأتوبيسات التى تعمل بالغاز الطبيعى فقط.
كما يجب أن يتم تطبيق نفس القرارات على شاحنات القمامة وعربات تنظيف الشوارع وأتوبيسات المدارس ووسائل النقل الثقيل وكل ما يتعلق بوسائل النقل التابعة للوزارت والهيئات الحكومية والعامة، وتقديم حوافز على السيارات المُعدَّة سلفًا للعمل بالغاز الطبيعى، وتحويل الأساطيل القديمة منها حاليًّا للغاز الطبيعى.
لم تكتفِ الدول التى توسعت فى استخدام الغاز الطبيعى للسيارات بذلك، بل قررت تكهين السيارات التى تعمل بالبنزين أو الديزل تدريجيًّا عند انتهاء العمر الافتراضى لتشغيلها، وإحلال أخرى تعمل بالغاز الطبيعى بدلاً منها.
ولدينا العديد من تجارب الدول نضعها أمام الحكومة ووزارة البترول حتى يمكن الإستفادة منها ونحذو حذوها، وننقل ما يناسبنا منها خاصة وأن العديد من برامج التحول لاستخدام الغاز الطبيعى فى هذا الدول قد استغرق سنوات طويلة، وثبت نجاحه بدرجة كبيرة ليس فقط فيما يتعلق بزيادة معدلات استخدام الغاز الطبيعى كوقود، ولكن أيضًا بتحول صناعة غاز السيارات لصناعة داعمة للاقتصاد القومى.
تجربة إيران
نجحت إيران فى وضع خطة بدأتها فى عام 2007 من جانب حكومة الرئيس أحمدى نجاد فى تقليص كميات الوقود من البنزين المستورد والذى تصل نسبته إلى 45% من استهلاكها.
كانت خطة الحكومة الإيرانية تستهدف نزع إصبعها من بين أسنان الدول الغربية؛ خوفًا من الضغوط التى تمارس ضدها، لمنعها من استمرارها فى برنامجها النووى.
كانت محدودية طاقتها التكريرية سبب عجز كميات البنزين بها، علمًا بأنها من أكبر الدولة المنتجة للبترول فى العالم وأحد الأعضاء فى منظمة أوبك.
لم تقبل إيران بالأمر الواقع، بل قررت وضع خطة للتخلص من تلك الضغوط، تضمنت عدة بنود، أهمها تحويل سياراتها للعمل بالغاز الطبيعى بموجب خطة بدأتها فى عام 2007 بتحويل 600 ألف سيارة فى عامها الأول، مع إجراء تعديلات فى محطات التموين بالوقود، وعددها 10 آلاف محطة تدخل بموجبها خدمة التموين بالغاز الطبيعى أيضًا.
وبعد 3 سنوات وفى عام 2010 كان عدد السيارات قد بلغ أكثر من 2 مليون سيارة تعمل بالغاز.
كان أحد مقومات نجاح الخطة تقديم سلسلة من الحوافز خلال أقل من 3 سنوات حققت وفورات مالية للدولة بلغت 11 مليار دولار.
كانت خطة إيران فى التوسع فى استخدام الغاز، الذى وصل عدد السيارات المحولة إليه فى أحد الأعوام إلى مليون و200 ألف سيارة، تسير فى خط مُوازٍ مع خطة ترشيد الوقود السائل لتقليل استهلاكه عند أقل حد ممكن.
وكانت حزمة المزايا للسيارات التى تعمل بالغاز وراء الانتقال بإيران وفى خلال أقل من 12 عاما لأن تحتل المركز الثانى بعد الصين فى عدد السيارات التى تعمل بالغاز الطبيعى، بينما من المخجل أن تكون مصر، وهى التى بدأت العمل بالغاز الطبيعى فى السيارات عام 1992 بشكل محدود لصالح بعض شركات البترول ثم إلى العمل به تجاريًّا فى عام 1996، لا تزال تحبو، ولم تستطع أن تتجاوز 270 ألف سيارة!
تجربة الهند
لم تكن تجربة الهند، والتى نجحت فى تحويل ما يزيد على 3 ملايين سيارة للعمل بالغاز الطبيعى، إلا نتيجة للعديد من القرارت التى أصدرتها الحكومة الهندية، منها حظر سير الأتوبيسات التى يتعدى عمر تشغيلها 9 سنوات ما لم تكن تعمل بالغاز.
استبدال جميع أنواع السيارات الأجرة التى يرجع تاريخ تصنيعها إلى فترات طويلة سابقة بسيارات أخرى جديدة تعمل بالغاز، ومنح أصحاب التاكسيات التى تعمل بالغاز الطبيعى حوافز لتشجيعهم، مثل القروض بدون فوائد، مع الإعفاء من ضريبة المبيعات.
فى نهاية عام 2001 أصدرت الحكومة الهندية خطة لتحويل الأتوبيسات العاملة بالديزل إلى الغاز، وذلك على مراحل متدرجة، ووفرت الحكومة الاعتمادات المالية اللازمة لذلك. وبفضل هذه الخطة تم تحويل أسطول الأتوبيسات بالمدينة بالكامل للعمل بالغاز الطبيعى.
بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين مؤسسات الدولة لدعم صناعة غاز السيارات، والذى تضمن تخصيص المدن لأراضٍ تابعة لها بنظام حق الانتفاع أو أراضٍ بأسعار مناسبة؛ لزيادة عدد محطات الغاز، خاصة وأن المحطات تتطلب استثمارات مرتفعة.
كما تم تسهيل إجراءات استصدار تراخيص المحطات من خلال الشباك الواحد بكل مدينة، يكون به كل المختصين من مختلف الوزارات والهيئات؛ لاستخراج كافة التراخيص المتعلقة بإنشاء وتشغيل محطات الغاز الطبيعى.
الزمت أيضًا الحكومة الهندية الشركات المستوردة للسيارات العاملة بالديزل من الأتوبيسات والنقل بمختلف فئاته والشاحنات أن يقتصر الاستيراد على السيارات المجهزة باستخدام الغاز الطبيعى.
ايضًا تم استخدام جزء من المنح الدولية والمخصصات الموجهة للبيئة ومشروعاتها فى دعم تعميم استخدام غاز السيارات، بخفض تكلفة محركات الغاز إلى الحد الأدنى، بتمويل من الهيئات الدولية المانحة، مع إلغاء الجمارك على السيارات المجهزة بأسطوانات غاز.
الارجنتين.. وأخرى
النماذج العالمية التى نجحت فى تخطى كل الصعوبات للتوسع فى الغاز الطبيعى فى السيارات تضمنت الخطوات التى أشرنا إليها، منها الأرجنتين، والتى بدأت عام 1984 فى اتخاذ عدد من الإجراءات؛ لوضع أسس قوية للنهوض بهذه الصناعة، منها تحديد كافة الأطراف المشتركة فى صناعة غاز السيارات.
وتحديد مسؤوليات وواجبات هذه الأطراف بدقة وطريقة عملها وفقًا لمواصفات واشتراطات محددة.
وشملت هذه الأطراف المصنعين، الذين يقومون بتصنيع المعدات والأجزاء اللازمة لتحويل السيارات إلى استخدام الغاز، من أسطوانات غاز ومنظمات وصمامات وأدوات كهربائية وغيرها، والمستوردين الذين يقومون باستيراد الأجزاء اللازمة فى تحويل السيارات، والشركات التى تقوم بتجميع وتسويق أطقم التحويل بالكامل، ومراكز التحويل التى تقوم بأعمال التحويل والصيانة والفحص، والعمالة المدربة، ومعامل اختبار أسطوانات الغاز، والمكاتب الفنية المتخصصة والمنوط بها إصدار شهادات الجودة.
وأدى هذا التنظيم الدقيق والإرادة القوية إلى انطلاق الصناعة الأرجنتينية المتعلقة بغاز السيارات بخطوات واسعة، حتى أصبحت من كبريات الدول الرائدة فى هذا المجال.
حوافز مستخدمى الغاز
منح حوافز تشجيعية لمستخدمى السيارات التى تعمل بالغاز فقط، مثل خفض الضريبة المفروضة على السيارات التى تعمل بالغاز، وضريبة الترخيص لها، وتجديد ترخيصها.
تخصيص أماكن انتظار بدون رسوم، ومنح مميزات خاصة جاذبة للسيارات العاملة بالغاز.
أيضاً إقرار شرائح مخفضة لأسعار الكهرباء المستخدمة فى محطات التموين بالغاز.
توفير قروض ميسرة لأصحاب السيارات والأساطيل التجارية لتحويل سياراتهم للعمل بالغاز.. كانت كلها نماذج من حوافز تتكرر من جانب الحكومات الجادة لإنقاذ اقتصادياتها بترشيد استخدام المواد البترولية بالتحويل الى الغاز الطبيعى.
تـجـربـة ألمـانيـا وأمـريكــا
يرجع التقدم الكبير الذى أحرزته ألمانيا فى وقت وجيز فى استخدام الغاز الطبيعى فى تموين السيارات إلى استراتيجيتين تبنَّتْهما كل من صناعة الغاز فى ألمانيا والحكومة الألمانية، هما:
أولاً نشر محطات التموين بالغاز على نطاق واسع وبمعدلات سريعة بمختلف أنحاء ألمانيا، حتى وصلت بالفعل إلى أكثر من 900 محطة.
ثانيًا التزام حكومة ألمانيا بالحفاظ على معدلات ضرائب منخفضة على السيارات العاملة بالغاز حتى عام 2018، وهذا يضمن احتفاظ الغاز بتنافسية عالية كوقود اقتصادى للسيارات.
الولايات المتحدة الأمريكية بدورها لم تترك أمر استخدام الغاز الطبيعى كوقود فى السيارات يسير وفقًا لأهواء المواطنين، بل اتخذت عددا من الحوافز لتشجيع الاعتماد على الغاز فى السيارات، كان أهمها أن عددًا من المطارات هناك شارك فى تقديم الحوافز، مثل مطار دالاس بتقديم حوافز تشجيعية لسيارات التاكسى العاملة بالغاز في المطار، واعتبرت أمريكا تلك الخطوة مهمة جدًّا لتحسين جودة الهواء بالمنطقة والحفاظ على الصحة العامة.
لم تكن الحوافز فقط هى الحل، ولكن هناك أيضا قرارت ملزمة للحد من ملوثات عوادم السيارات، منها وضع معايير قياسية للانبعاثات، مع تطبيق غرامات مالية فورية فى حالة مخالفة أى مركبة لتلك الشروط والمعايير.
إجراء فحص دورى مع إيقاف السيارات التى تصدر عنها انبعاثات زائدة على الحد المسموح به، ويكون الفحص شرطًا أساسيًّا لتجديد ترخيص هذه السيارات والمركبات.
إجراء فحص دورى على مدار العام لمعدلات تلوث الهواء بالمناطق المختلفة. وفى حالة ثبوت زيادة معدل التلوث فى أى منطقة، يحظر سير السيارات العاملة بالديزل والبنزين فيها تمامًا، ويقتصر التسيير على السيارات العاملة بالغاز.
حظر تجديد ترخيص السيارات الأجرة والتاكسى فى المدن المتوافر بها محطات التموين بغاز السيارات، أو التى يثبت تَعدِّيها للنسب المسموح بها للتلوث، وعمل جدول زمنى لتحويل هذه السيارات.
تـجـربـة المكـسـيـك
وضعت المكسيك برنامجًا لخفض ملوثات العوادم والحفاظ على البيئة بمدينة مكسيكو سيتى، وذلك من خلال استخدام الأتوبيسات العاملة بالغاز الطبيعى (Eco-Bus) والتى يستخدمها ما يقرب من 2 مليون مواطن فى تنقلاتهم بمدينة مكسيكو سيتى؛ لتلعب هذه الأتوبيسات دورًا كبيرًا فى الحفاظ على البيئة بالمدينة. كما لجأت السلطات بالمدينة إلى فرض استخدام الغاز الطبيعى بوسائل النقل العام، والذى أثبت كفاءة تشغيل عالية واقتصادية، فضلاً عن رخص سعره مقارنة بأنواع الوقود السائل الأخرى.