
أسامة داود يكتب: لغة جديدة فى إعلانات مصر والأهلى بين الأحلام والكوابيس

تمثل إعلانات شهر رمضان من كل عام نوعًا من الإبداع وفنًا من الفنون على جانب.. ونموذجًا للمطاردة والتقزز وبث الرعب من جانب آخر.
ويبقى المواطن تتنازعه هواجس وتعيش معه مشاهد تنتقل معه من مائدة طعامه إلى سرير نومه ومن مشاعر وأحاسيس وهدهدة إلى كوابيس مزعجة.
أعيش كما يعيش المواطنون مع التلفاز وقت الإفطار وعلى أنغام الإعلانات لا الأعمال الدرامية التى اختفى الإبداع والعبقرية منها وبقى بها الدم والسطو والخيانة، بجانب رعب رامز الذى يتسم بالسماجة والسذاجة لا بخفة الظل أو الذكاء.
لقد تنازعتنى الإعلانات بين فتح وغلق التلفاز وقت الإفطار وهو الوقت الوحيد الذى نجالسه فيه.
أجلس وأنا متشوق لمتابعة إعلان بنك مصر.. أنا ابن مصر.. أنا ضد الكسر.. أنا رافع راسى تملى لفوق طول العمر.. كلمات ولحن وصوت الثلاثى محمود العسيلى ومصطفى حجاج ومدحت صالح تشعر معها بأنها تحلق بك لتنقلك من سماء غرفتك المحدودة إلى آفاق الفضاء الرحب، تهدهدك نسمات الكلمات فى أحلامك تجد لسانك يرددها فى نهارك.. لكن ما تلبث أن تطفئ التلفاز بضغطة زر واحدة للتخلص من شر إعلان الرعب الذى يصدمك به البنك الأهلى وهو السطو المسلح والتنكر والهدم وإشهار المسدسات وأصوات سرينة النجدة.
فارق شاسع بين بنك قرر أن يداعب أحلامك وآخر يصر على أن يقض مضجعك.. بين إبداع يجعلك تشعر بالشموخ والسمو، وبين آخر يجعلك تلجأ لطاسة الخضة!.
كان فى مقدور البنك الأهلى أن يُعلن بشكل مبدع عن إنجازه الذى لا يُنكر بإنشاء أول فرع إلكترونى، بكلمات أو بتعبير ومشهد به من البهجة للتيسير على عملائه. كان فى يده أن يبشر لا أن ينفر.
بشرى التخفيف على العملاء والتيسير فى تقديم الخدمة على مدار الساعة وتقديم كل الخدمات دون طوابير أو الارتباط بساعات العمل الرسمية وتحقيق كل الخدمات بداية من فتح الحساب مرورًا بالسحب والإيداع وصرف الشيكات وصولًا لتحويل الأرصدة منه وإليه وهو إجراء يثير الفخر، لا الرعب.
كان فى مقدور البنك الأهلى لو لم تخاصم قياداته والقائمون على صنع دعايته، صناعة نوع من البهجة والرضا لدى عملائه على مائدة الإفطار.
جاءت رسالة البنك الأهلى للأسف فى صورة عملية سطو تجعل بدنك يقشعر وشعر رأسك يقف وحالة فزع تنتابك وتتملكك ويصاحبك من المائدة إلى سرير نومك بكوابيس السطو والهدم وإشهار السلاح فى وجهك.
بالتأكيد ليس من فنون الدعاية أن يقدم البنك الأهلى أقدم وأعرق البنوك ليس فى مصر وحدها ولكن فى العالم العربى وإفريقيا طفرته التكنولوجية فى خدمته البنكية الإلكترونية وكأنها بهدف وحيد ويتيم وهو التغلب على العصابات والمافيا التى يرى أنها تملأ شوارع مصر!.
نعم لقد صور إعلان البنك الأهلى أن التكنولوجيا والتطور فى مصر لابد أنها ترتبط فقط بالإفلات من العنف.
وهنا كنت أتمنى أن أسمع للمجلس الأعلى للإعلام صوتًا أو تحركًا تجاه إعلان يسىء لمصر، وبالتأكيد لا أظن أن صمت المجلس الأعلى للإعلام الذى يتدخل فى كل شيء قد استمر لكونه قد شارك فى صناعة تلك الإعلانات وبالتالى حريص على عكننة المشاهد بها!.