 (1).jpg)
أسامة داود يكشف: حكاية الشاب الذى أشاد به الرئيس السادات ودعم ماهر أباظة 18 عامًا ( 1 )

الزمن ديسمبر 1979 ، المكان مبنى وزارة الكهرباء وهيئة كهرباء مصر ، مكتب وزير الكهرباء يبلغ الدكتور عماد الشرقاوى مدير الدراسات والبحوث والتطوير بهيئة كهرباء مصر بسرعة الحضور لإجتماع عاجل مع ماهر اباظة وزير الكهرباء والطاقة.. يدخل الشرقاوى الى مكتب الوزير ، فيطلب أباظة منه تحمل مسئوليته تجاه سرعة اعداد وتجهيز استراتيجية لقطاع الكهرباء على مدار 20 عامًا تكون قادرة على توفير الطاقة لتغطية مصر (حضر وريف) ومواجهة النمو الاقتصادى المتوقع بعد سياسة الانفتاح الاقتصادى التى أطلقها الرئيس السادات وفى ظل الاستقرار السياسى.
حمل الدكتور الشرقاوى الخطوط العريضة التى ناقشها معه أباظة بشأن الاستراتيجية ليبلغ على الفور كل الادارات التابعة لهيئة كهرباء مصر رسالة فى بضعة كلمات ، يطلب فيها تقديم تصور جيد يصلح ليكون أساسًا لبناء استراتيجية على أن يكون تقديم تلك الرؤية خلال أسبوع.. كان مطلب عماد الشرقاوى ملحًا بإعتباره كان مكلفا بتجهيز استراتيجية لقطاع الكهرباء والذى لم يكن يزيد حجم إنتاجه عن حوالى 3900 ميجاوات نصفها تقريبًا من محطة السد العالى تتناقص مع تناقص الفيضانات ، وهى ضمن الاستراتيجية التى طلبها الرئيس السادات من جميع أعضاء الحكومة فى نهاية عام 1979.
كانت وزارة الكهرباء قد ضمت الى فريق العمل مجموعة من المهندسين الشبان حديثى التخرج.. من بينهم المهندس الشاب ماهر عزيز الذى كان قد تم تعيينه مهندسًا ثالثًا فى هيئة كهرباء مصر وكان ممن تلقوا هذا القرار.
كان ماهر عزيز قد حصل على دبلومة من كلية التربية فى استراتيجيات التعليم وعلم الاستراتيجيات وعلاقته بالسياسة وخطط العمل فور تخرجة.
ومن خلال متابعاته وقراءاته العديدة عن الكهرباء فى العالم بالإضافة إلى أن مادة استراتيجيات التعليم التى درسها ماهر عزيز كان نصف الكتاب الخاص بها يتحدث عن علم الاستراتيجيات.
أعد المهندس الشاب دراسة من 9 صفحات تتضمن كل الخطوط العامة والمحاور الأساسية التى تصلح لأن تكون هيكلا لبناء استراتيجية للكهرباء فى مصر.
يقول ماهر عزيز: كان عشقى للعلوم الإنسانية قد جعلنى أتفوق فى هذا المجال وبالتالى ساعدنى ذلك فى عمل هيكل متكامل قدمته لرئيسى المباشر بالعمل وحسب التسلسل الوظيفى وصلت الرؤية التى أعددتها ليد الدكتور عماد الشرقاوى.
سأل عماد الشرقاوى عن معد محاور الاستراتيجية فعلم أنه مهندس ثالث حديث التخرج تسلم العمل منذ أسابيع.
لم يكن فى ذهن ماهر عزيز أنه سوف يتم استدعاؤه من جانب عماد الشرقاوى ولكن حسب قوله : فوجئت بمكتب الشرقاوى يطلبنى لأجلس معه وجهًا لوجه، يناقشنى فيما أعددته من محاور ويدخل فى أعماق كل محور لأسرد له التفاصيل لإجابات عن تساؤلاته التى انهمرت علىّ كالمطر تتبعها ردودى بشكل جيد.
كان عماد الشرقاوى بنظراته الثاقبة ووجهه الجاف الذى يخاصم الابتسامة قد أومأ برأسه ، وهنا جاء دورى لأنصرف فاستأذنته ، لكنه قال: لا.. إبقى هنا واتصل بالسكرتارية ليأمر بتجهيز مكتب خاص بى بجوار مكتبه ويطلب تخصيص سيارة خاصة بسائق لتكون تحت تصرفى.
هنا قد تجاوزت حالة الذهول إلى ما يشبه الدوار الذى جعلنى أشعر بأن الأمر ما هو إلا حلم من الصعب أن يتحقق.
لكنها كانت الحقيقة التى لم أكن أتوقعها فقد كان مديرو العموم يتشاركون فى سيارة واحدة، تنقلهم من وإلى العمل وهو ما أثار نوعًا من الغيرة.. ولم يكن يستقل السيارة الخاصة سوى رؤساء القطاعات.
لم تنته مفاجآت قيادات ذلك الزمن مع شباب فى عمر الزهور ، ليس هذا فقط ما قدمه عماد الشرقاوى للمهندس الشاب الذى لم يمر على تعيينه أكثر من أسابيع بل أصدر تعليماته لتسهيل كل مهام حصوله على أى وثائق أو معلومات على أن يلتزم ماهر عزيز بالاعتكاف على تحقيق الغرض وهو إعداد أول استراتيجية لقطاع الكهرباء يتم تطبيقها على مدار 20 عامًا ، بل هى القاعدة التى أقام عليها قطاع الكهرباء كل قوائمه من محطات إنتاج ومحولات وخطوط نقل عملاقة عبر الأيدى العاملة المصرية التى جعلت المشاركة المحلية فى محطات التوليد تصل إلى 45% منذ ثلاثين عامًا.. أى فى النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى ، بينما تعود على يد الدكتور محمد شاكر حاليًا إلى نقطة الصفر بعدما قرر قطاع الكهرباء شراء محطات التوليد تسليم مفتاح، بل منح مصنعيها حق الصيانة بمليارات الدولارات لسنوات طويلة ليصبح من حق المصنع أن يستعين بخبراء وخواجات لإدارة محطات الكهرباء التى أبدعنا فى إنشائها منذ ثلاثين عامًا.
واقرأ أيضأ ..أسامة دواد يكتب عن السوبر مان في وزارة البترول
أعود إلى حديث ماهر عزيز مهندس الكهرباء ابن الثالثة والعشرين ربيعًا ليقول: أصدر الدكتور عماد الشرقاوى تعليماته للجميع بإتاحة كل الإمكانات لى وإزالة كل المعوقات من أمامى لأتحول إلى طاقة تعمل دون توقف وعلى مدار الساعة، ومع حالة الخوف التى بلغت حد الرعب من مسئولية إعداد استراتيجية قطاع على كاهلى مع حالة من النشوة التى تمنحنى عزيمة تذيب الصخر وتصهر الحديد لكونى مكلف بعمل وطنى. فقررت بعد الاستعانة بالله وأن أضع نفسى فى مصاف التفوق الاستشهادى ، دفعتنى تلك الثقة والمشاعر المتوقدة داخلى وبحماس متدفق للعمل بحرص شديد، وفى خلال شهر واحد كنت قد أنهيت ما تم تكليفى به ، وعكفت على مراجعتها لمرات حتى أتجنب أى خطأ قد يوقظنى من حلم النجاح الذى هيأ لى ما لا يمكن أن أتخيله من مكتب وسيارة وغيرهما.
حمل ماهر عزيز الاستراتيجية وكأنه يحمل قلبه بين يديه ليسلمها إلى المهندس عماد الشرقاوى ليتولى تسليمها بدوره إلى المهندس ماهر أباظة.
انعقد مجلس الوزراء برئاسة الرئيس أنور السادات ليستعرض أمامه كل الوزراء استراتيجيات وزاراتهم.
ومع عرض ماهر أباظة الذى كان يخطو أولى خطواته داخل وزارة الكهرباء كوزير تم اختياره قبل شهور، أبدى السادات إعجابه باستراتيجية وزارة الكهرباء وحدها. وأعاد للوزراء استراتيجياتهم وطلب منهم الجلوس إلى ماهر أباظة ليعرفوا كيف توضع الاستراتيجيات.
كانت أفكار الشاب ماهر عزيز هى الزورق الذى ثبت أقدام ماهر أباظة فى دواليب الحكم ليستمر عطاءه لمدة 18 عاما متصلة.
عاد أباظة إلى مقر الوزارة و فور دخوله المكتب قام باستدعاء الدكتور عماد الشرقاوي على ان يكون معه فريق العمل الذي أنجز الإستراتيجية، فقال مايسترو وضع الاسترايجية هو مهندس واحد فقط اسمه ماهر عزيز
[caption id="attachment_79756" align="aligncenter" width="856"] ماهر أباظة[/caption]