ناصر أبوطاحون يكتب : محاولة قراءة فى مشاهد عبث متناثرة على وجه مصر

يجتهد الجميع فى محاولة لقراءة و تفسير المشاهد التى توالت على مصر خلال الفترة القصيرة الماضية اتصالا بما سبقها من سنوات و من الخطأ قراءة المشهد من لازاوية واحدة يحددها مكان وقوف الشخص فنحن أمام مشاهد معقدة و مركبة تحتاج لنظرة شاملة يفتقدها الجميع إما لغياب المعلومات أو لاحتكارها او للإستهانة بها من الأطراف فى البداية يجب ان نوضح أن الحديث عن وجود صراع على السلطة داخل النظام او بين اطرافه غير حقيقى و يفتقد لأى دليل، بل و يتصادم مع طبيعة السلطة فى مصر و التى تقوم على وحدة أجهزة السلطة خلف الرئيس أى رئيس، و لا يغرينك ما حدث مع حسنى مبارك او مع مرسى،فالأمر كان يتعلق بإلتحاق الأجهزة بالشرعية ، شرعية الشعب ، ففى يناير التحقت الأجهزة بشرعية الشعب الذى قال كلمته، و فى يونيو فعلت الشىء نفسه و لم يكن بوسعها ان تأخذ موقفا معاديا قد يذهب بها مع المخلوعين مبارك و مرسى كما يجب ان نوضح أيضا أن الخاسر الأكبر فيما جرى كان جماعة الإخوان المجرمين، لأنها دعت كثيرا لحراكات شعبية فلم يستجب لها أحد، ثم استجاب الناس ، جزئيا ، لدعوة شاب مجهول و مغمور و خرج فى الموعد المحدد صحيح انه خروج محدود و متناثر و لكنه خروج يستدعى التوقف و التأمل و التصرف، لأنه سيتكرر و خسر أيضاً النظام، قد تبدو الخسائر محدودة، و لكنها خسائر قد تتراكم لو لم يحدث تغيير كبير و سريع فى بنية الحياة السياسية فى مصر لكى تتسع للجميع و لا يجب ان ننسى أن حراكات بسيطة فى النصف الثانى من العقد الأول فى هذا القرن قد تراكمت فوق بعضها البعض لتنفجر صانعة يناير، بينما النظام يظن انه فى لحظة قوة تتيح له توريث السلطة لنجل المخلوع حسنى مبارك كما يجب ان نتذكر ان حراكات صغيرة و متناثرة و متلاحقة استطاعت ان تتراكم و تنفجر فى وجه الإخوان و سلطتهم لتزيحهم عن وجه مصر فى يونيو بمعنى اننا يجب ان نتوقف بالتحليل و التدقيق و القراءة الصحيحة المعمقة لأى حراك و لو محدود، لأن تجاهله خطير كذلك على النظام ان يدرك ان قوته ليست فى قدرته على القمع او السيطرة ، و لكن قوته الحقيقية تكمن من قوة المشهد السياسى ، و قوة البرلمان ، و قوة المعارضة و ارتفاع سقف الحريات الاعلامية و الصحفية، فلو كان النظام متكامل بكل عناصره السلطة و المعارضة و الصحافة الحرة و الاعلام الحر، ما استطاع شاب معه موبايل و علبتين سجاير مارلبور ان يفعل ما فعل خلال ايام فى المشهد المصرى سواء اتفقت معه او اختلفت، وسواء كنت ممن اعتبروه مؤذن ثورة او ممن رأوه نذير شؤوم و خراب، فهو تواجد على الساحة و سيتواجد خلال الفترة المقبلة فتح النوافذ و السماح بالعمل السياسى الحقيقى و الافراج عن نشطاء الأحزاب المدنية و اطلاق حرية الصحافة و الاعلام و الرأى و الرأى الأخر سيعطى مصر ما تستحق و يمنع اى هزات لا يتحملها المواطن و لا يتحملها الوطن فمن المؤكد ان ما جرى بالأمس سيتكرر لأنه كشف عن احتقانات داخلية كبيرة ما كان يمنع تحركها هو وجود جماعة الاخوان المجرمين فى الصورة ، و لكنها استغلت ظرف الدعوة الغريبة و خرجت، بالعشرات او بالمئات و لكنها خرجت بقى ان نشير لما نعيد التأكيد عليه كل مرة و هو سذاجة و حسن نية القوى الثورية فى الشارع المصرى ، التى لديها استعداد للسير خلف اى ناعق اثناء عملية الهدم، ثم تنصرف لتترك لغيرها حق البناء فيبنى فوق جثثها و احلامها فهم على استعداد للقبول بثائر مثل سامى عنان او مناضل مثل احمد شفيق او بطل شعبى مثل محمد على المقاول و اخير حشاش فقد عقله اسمه وائل غنيم الثورة مشروع بناء و ليست مشروعات هدم سلطة لكى تولد سلطة اخرى من رحمها، الثورة عملية تغيير شامل كامل فى شكل السلطة و بنيتها و بناءها و مشروعها السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى و رؤيتها لاستقلال الوطنى و الأمن القومى لذلك نقول بملىء فمنا و بكل ثقة ان مصر لم تشهد ثورة سوى ثورة 23 يوليو التى امتلكت مشروع بناء غير وجه مصر