 (1).jpg)
ناصر أبو طاحون يكتب: إنتى جاية اشتغلى إيييه؟

ذات يوم تعرض مفكر و كاتب محترم لسؤال عجيب من شخص صفيق يظن أنه سيخرق الأرض، بعد ان حاز موقعا لا يستحقه السؤال العجيب كان عما قدمه الكاتب المفكر للبلد و لا غضاضة من السؤال نفسه أو أى سؤال آخر، لأن لكل سؤال جواب بالتأكيد لكن الكارثة فى رؤية السائل للوظائف و الأدوار فى المجتمع، و استهانته بدور الكاتب المفكر فى بناء المجتمع و مهمته فى صنع مجد الأمة، وصياغة وجدانها و تحصين عقلها ضد الاختراق الخارجى و الانهيار الداخلى السؤال كان طبيعيا من شخص ابن مرحلة قاربت على نصف قرن من الانسحاق أمام كل ما هو قادم من الخارج، مرحلة استهانت بالأداب و الفنون و الثقافة و و أدوارها في بناء مجتمع قوى ناضج متماسك واعى بحقيقة وطنه و تاريخه و أمنه، ومدرك لدوره فى صيانة هذا الوطن و حمايته و الدفاع عنه بالروح و الدم و العمل و البناء و مع تراجع أدوار الثقافة و الفكر و الفنون والاداب فى المجتمع ، و تقدم قيم جديدة مع عصر الانفتاح و الانبطاح، مثل السمسرة و النصب و السرقة و الفساد و الرشوة و الاهمال ، و كلها حملت اسماء مبطنة و شعارات من نوعية، "موش عاوزين شعارات"، "عاوزين نعيش و نقب على وش الدنيا" ، و أصبح المجتمع يحتفى بالعناصر الفاسدة طالما نجحت فى الثراء الفاسد، و تقدم المشهد اصحاب الثروات المشبوهة، و تراجعت قوة الوطن الممثلة فى عقله و انزوى المفكر و المثقف الحقيقى و انطوى على نفسه، و خرج الأشباه للقيام بادوارهم و ظل التراجع حتى بلغ منتهاه بان يسأل أحدهم مفكرا ماذا قدمت للوطن؟ و ربما كان من الضروري ان نعيد و نذكر هذا الغشوم و غيره بالحقيقة المرة فى ضوء ماكشفت عنه الأحداث خلال الشهر المنقضى، و التى لازالت ساخنة، و لا أحد يدرى إلى أين ستتجه العاصفة فالمجتمع بدون ثقافة و فنون و آداب وفكر هو مجرد خرابة كبيرة يعيش فيها فئران و صراصير وحيوانات ،يستطيع أى عابر ان يغيرها او يزيلها من وجه الأرض و الثقافة و الفنون و الأداب هى التى تصنع عقلا مميزا لافراد المجتمع و بالتالى تمنحه القوة و التماسك و الثبات فى مواجهة الأخطار المحيطة و المستمرة و المتلاحقة بقى ان نوضح ان المجتمع يستطيع ان يصنع الاف مؤلفة من المهندسين أو الاطباء او الضباط او العمال او الفلاحين و غيرها من المهن و الاعمال التى يحتاجها، و لكنه لا يستطيع أن يصنع كاتبا او مفكرا او فنانا، لأن هذه المهن لا تُصنع، و إنما هى مواهب خاصة يهبها الله للبعض دون غيرهم، يضع فيهم من حكمته و يمنحهم من بلاغة اللغة و فصاحة القول و بيان الكلمة، بما يمكنهم من أداء أدوار إصلاحية و تنويرية فى مجتمعاتهم و صنع حالة ثقافية و فنية و أدبية لبناء مواطن صالح فاهم لكل ما حوله، يستطيع تمييز الغث من السمين، و الضار من النافع ، و العدو من الصديق و قد تظن بعض الأنظمة ان قيادة شعب جاهل و مجتمع ساذج أمر جيد يضمن السلامة، و هو ظن فاسد فى عصر يعيش فيه العالم كله داخل جهاز موبايل، ربما كان هذا أمرا مقبولا فى العصور الوسطى، لكنه لم يعد مقبولا الأن فعندما تفرغ عقول مجتمع من الثقافة و الفنون و الاداب تتحول تلك العقول اللى دورة مياه عمومية يقضى فيها كل عابر سبيل حاجته، بل و يقودها فى كل اتجاه و تتبقى ملاحظة صغيرة تتعلق بكون الثقافة و الفنون و الأداب و الفكر لا تنمو و لا تتحقق بأثارها الإيجابية و المرجوة سوى فى مناخ من الحرية يخلو من القيود، فالقيود و الالتزامات يحددها المفكر و المثقف لنفسه فى إطار ثقافى وطنى مستمر و متواصل بلا انقطاع