 (1).jpg)
أسامة داود يكتب: حمدى البنبي ملاك معدنه من الذهب

التقيت للمرة الأولى بالدكتور حمدى البنبى فى عام 1998 وقتما أسند إلىّ تغطية أخبار قطاع البترول بجانب موقعى كرئيس لقسم الأخبار بجريدة العربى الناصرى.
أتذكر عندما بدأت توجيه تساؤلات للدكتور البنبى فى اللقاء الأول وكان مؤتمرًا صحفيًا ولم أكتف بما قاله فى المؤتمر وبما أجاب عن تساؤلاتنا.
ولاحقته بالأسئلة وهو يجيب بروح فيها من تحمّل رذالة صحفى يريد أن يحصل على حوار كامل مع وزير البترول خلال الدقائق التى يقطعها من قاعة المؤتمر وداخل المصعد وصولًا وحتى باب مكتبه بالدور الثالث بديوان الوزارة القديم الملحق بمبنى شركة بترول بلاعيم "بتروبل" بمدينة نصر صحبت الوزير بالأسانسير ومعه قائد الحرس تاركًا خلفى أساتذة وزملاء أصبحوا خبراء فى مجال صحافة البترول والطاقة أذكر منهم الأساتذة أحمد شفيق وفاروق عبدالعزيز وإبراهيم راشد عليهم رحمة الله.
وعادل إبراهيم وخالد جبر، وغيرهم من الزملاء الذين أعتز بصداقتهم.
واصلت التساؤلات ولم يتوقف الرجل رغم مشاغله عن الإجابة ولم تغادر البشاشة وجهه.
سيل من الكلمات الرصينة والإجابات الشافية لم تتوقف حتى وصلنا إلى باب مكتبه وحتى توقفت أسئلتى بشكرى له على اتساع صدره.. فقال مداعبًا ووجهه تملؤه الابتسامة الملائكية: لقد حصلت على حوار كامل يحتاج من الزمن إلى ساعة ودون موعد سابق!.
كان هذا الموقف يكشف من أى المعادن هذا الرجل، إنه من الذهب.
تعددت اللقاءات بالرجل وكان كريم الخلق يعرف قدر الصحافة ولم يصدر تعليمات بمنع رؤساء الشركات من الحديث مع الصحفيين فيما يخص نشاطهم.
وأثناء إنجاز تحقيق صحفى لجريدة العالم اليوم عن كيفية تنمية اقتصاديات البترول فى ظل محدودية إنتاجه وكنا فى عام 1999، اتصلت بالدكتور حمدى البنى والذى شارك برؤيته فى التحقيق وعدد من قيادات القطاع دون الرجوع إلى إعلام الوزارة وكان من بين تلك القيادات المهندس سامح فهمى رئيس شركة ميدور وقتها.
وكان حديث سامح فهمى يمثل رؤية شاملة استحوذت تصريحاته لأهميتها أكثر من المساحة التى شغلتها تصريحات الدكتور البنبى.. وتصدرت كلمات سامح فهمى عناوين الملف على قدم المساواة مع كلمات الوزير.

وعرفت فى قطاع البترول معنى التمسك بوضع القيادات السابقة موضع التقدير حتى إنهم كان يطلقون أسماء تلك القيادات على الحقول المكتشفة حديثًا.
وما لاحظته بعد الدكتور البنبى أن المهندس سامح فهمى كان شديد الحرص على دعوة أساتذته من وزراء البترول السابقين فى الاجتماعات والمؤتمرات المهمة، وكان يجلسهم بجواره فوق المنصة تقديرًا واحترامًا لهم، ومنهم الكيميائى عبدالهادى قنديل والدكتور حمدى البنبى اللذان كانا على قيد الحياة.
وهو ما لم نعد نراه حاليًا فى قطاع البترول الذى أخذت تتآكل قيمه ومبادئه التى كانت أهم ما يميزه عن غيره من باقى قطاعات الدولة..
وأذكر ونحن فى لقاء معه بحقول بدر الدين بالصحراء الغربية مدى حرصه على تكريم شيوخ الصحافة من محررى شئون البترول ولم يقتصر التكريم على قيادات القطاع فقط.
وكان تعامله مع مرؤوسيه تعامل الزملاء والأشقاء والأصدقاء.
كان حمدى البنبى هو من تأسس فى عهده عدد كبير من الشركات والتى انشئت فوق جزء من المستنقعات بمنطقة وادى القمر بالاسكندرية بعد تجفيفها ومنها شركات أموك وانربك وأكبا وأسبك وايلاب بالاضافة الى شركة سيدبك المتخصصة فى صناعة الايثلين والبولى ايثلين.
ليس هذا وحسب بل هو من أنشأ شركة ميدور وكان واحدا من 73 معمل من الجيل الثالث فى دول حوض البحر الابيض المتوسط والاحدث من نوعه فى منطقة الشرق الاوسط.
وأصر على انتزاع 60% من أسهم ميدور من بين انياب اسرائيل وحسين سالم لصالح الهيئة العامة للبترول ليصبح القرار بأغلبية الاسهم فى قبضة قطاع البترول المصرى.
رحم الله عمالقة قطاع البترول محمود يونس وأحمد عزالدين هلال وعلى والى وعبدالهادى قنديل وحمدى البنبى وكثيرين غيرهم رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.
أخط هذه الكلمات فى ذكرى ميلاد الرجل فى 4 أكتوبر 1935 والذى رحل عن دنيانا فى 11 أغسطس 2016.