أسامة داود يكتب.. ماهر أباظة الذى أضاء خريطة مصر (1)

شيخ الوزراء كالجبل فى شموخه والنهر فى عطائه، والعلماء فى تواضعهم. هذه كلمات أقولها فى رجل قلما نجد مثله، وهى أقل مما يستحق أن يوصف بها ماهر أباظة.

[caption id="attachment_9970" align="alignnone" width="100"]المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق[/caption]

كان العام 1997.. وكنت قد حصلت على عضوية نقابة الصحفيين بعد عناء.. وأصبحت أحمل كارنيه النقابة الذى كان يشبه بالنسبة لجيل من الصحفيين مفتاح الجنة! كان حلمًا قد جاء بعد سنوات طويلة من العمل والعرق والكد والتعب. كنت قد عملت بعدد من أقسام جريدة "العربى" بدأتها بالمحليات ثم الهيئة العامة للاستثمار وقت أن تولاها الدكتور إبراهيم فوزى وزير الصناعة الأسبق. كنت انتقل إلى العمل بالتحقيقات الصحفية الاستقصائية، واكتسبت أول مهاراتى فى هذا العمل على يد عدد من الزملاء، سوف يأتى الوقت لأحكى عنهم، ومن قبلهم كنت أتابع ما يكتبه الأستاذ العلامة محمود المراغى الذى جلس لسنوات طويلة على قمة هرم كبار المحررين الاقتصاديين وأول رئيس تحرير لجريدة العربى الناصرى التى أفخر بأننى انتميت إليها، فتعلمت فيها حرية الكلمة وأمانتها. وفى عام 1997، وبعد وصول الكاتب السياسى الكبير الأستاذ عبد الله إمام إلى رئاسة تحرير العربى، وقبل شهور من ذلك الحدث، ومن خلال رجل لا بد أن أذكر فضله فى مدِّى بمستندات كانت غاية فى الخطورة، والتى تتضمن كل تفاصيل بيع شركة المراجل البخارية، وهو المحامى المحترم فايز الكارتة.. بدأت فى كتابة الملف فى حلقات ثلاث.

كانت الحلقات تتضمن واقعة جاء فيها اسم المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء، وهى توقيعه كشاهد مع الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال وقتها على عقد بيع كُتِبَ بخط اليد على ورقة فلوسكاب وبتاريخ 31يناير 1994.

وكان العقد يتضمن الآتى: أن يتم دخول شركة بابكوك أند ولكيكس كشريك فى شركة المراجل البخارية مقابل رفع عرض شركة بابكوك للمشاركة فى شركة المراجل من مبلغ 16,2 الى 17 مليون دولار. وكان البائع فى ذلك الوقت هو رئيس الشركة القابضة نيابة عن الدولة، وهو المهندس عبد الوهاب الحباك، ووقع عن المشتري شركة بابكوك أند ولكيكس كمال عاشور وسيد محسن وروبرت مادى. ثم تحول العقد بعد ثمانية أشهر من ذلك التاريخ وتحديدًا فى 27سبتمبر من نفس العام 1994 إلى عقد بيع نهائى وبنسبة 100% من الشركة، ولكن بمبلغ 6,5 مليون دولار!!

كان الفارق بين العقدين يدل على أن الفساد قد استشرى فى مصر إلى بيع شركة تزيد مساحة الأراضى فيها عن 30 فدانًا على النيل فى منطقة منيل شيحة، كمساحة تتضمنها العقود تم اضافة أكثر من 10 أفدنة اليها من طرح النهر بعد انحسار النيل عقب بناء السد العالى، بخلاف مصانع تنتج الغلايات البخارية، التى تستخدم فى محطات توليد الكهرباء وغيرها من المشروعات، وهى صناعة استراتيجية بسعر يقل عن 1% من سعرها الحقيقى فى حالة تقيمها بقيمة عادلة. لم يكن هناك ما يمسُّ ماهر أباظة سوى توقيعه على عقد ابتدائى، ولكن كان كل نقدِّى له أنه لماذا لم يتقدم بشهادته بأن بيع كامل الشركة جاء بحوالى 30% من السعر المتفق عليه كقيمة مشاركة بنسبة لا تزيد على 49% فقط؟

أباظة يطلب لقائى

بعد أيام من نشر الحلقات الثلاث، أخبرنى سكرتير الأستاذ عبد الله إمام أن مكتب المهندس ماهر أباظة طلبنى أكثر من مرة، ولم أكن متواجدًا.

[caption id="attachment_9980" align="alignnone" width="300"]صورة ضوئية من اول حلقة فى حملة المراجل البخارية في جريدة العربى يوم ٦ اكتوبر ٢٩٩٧ صورة ضوئية من اول حلقة فى حملة المراجل البخارية في جريدة العربى يوم ٦ اكتوبر ٢٩٩٧[/caption]

وفى المرة الثالثة طلبت مديرة المكتب أن يتحدث الوزير مع رئيس التحرير. طلبنى بعد أيام رئيس التحرير، وقال لى: على فكرة أنت سوف تتولى تغطية قطاع الكهرباء، وأكمل دون توقف: وقد أرسلت خطابًا إلى المهندس ماهر أباظة لاعتمادك مندوبًا للجريدة بالوزارة. وقبل أن أبدى اعتراضى باعتبار قطاع الكهرباء ليس كهيئة الاستثمار من حيث النشاط الصحفى فيه. واصل كلامه قائلاً: على فكرة ده مطلب المهندس ماهر أباظة. كانت المناقشة مع الأستاذ عبد الله إمام نوعًا من الحرث فى الماء، لن تثمر نتيجة.. فقد قرر، واتخذ القرار، ولم يكن فى استطاعتى سوى التنفيذ.

اللقاء الاول

عندما التقيت المهندس ماهر أباظة، كان رجلاً يملك من شموخ العظماء الممزوج بتواضع العلماء ووجه يحمل جينات الأصول الارستقراطية، ولكن ببشاشة الدعاة. قال: كل ما كتبته يا داود صحيح فيما يخص توقيعى كشاهد، ولكن لا تعرف الأسباب. قلت: أريد أن أسمعها من معاليك. قال: طلب منى الدكتور عاطف عبيد التدخل لدى شركة بابكوك أند ويلكيكس، والتى كانت تقوم بتنفيذ أعمال مع القطاع فى محطات الإنتاج، أن أتدخل لرفع السعر مقابل دخولها كشريك فى شركة المراجل البخارية. وقال عبيد إن الاتفاق وصل إلى مبلغ 16 مليون، وإنه يأمل فى أن أتواصل مع الشركة.. وفضَّلَ أن يحدث ذلك أثناء توقيع العقد الابتدائى.. ثم اقترح أن يكون التوقيع فى مكتبى وفى ضيافتى لتوقيع العقد، وقال عبيد لى: أتوقع أن تنجح فى التأثير على الشركة لزيادة قيمة العرض. فقلت: أهلاً وسهلاً. ويواصل أباظة متذكرًا: تَحدَّدَ الموعد، وتدخَّلت مع رئيس مجلس إدارة الشركة، وقلت: لا بد من زيادة السعر. وبالفعل تم زيادة السعر بمبلغ مليون دولار؛ ليصبح 17 بدلاً من 16 مليون كما كان الاتفاق السابق. وتم كتابة العقد، ووقعت مع الدكتور عاطف عبيد كشاهد، وهنا انتهت علاقتى بالأمر كله عند هذا الحد، ولم أعلم بباقى التفاصيل إلا بعدما قمتَ أنت بنشرها. وكان هذا هو اللقاء الأول الذى تعدَّدَت بعده اللقاءات.

خريطة مصر مضاءة بالكهرباء

تعدَّدَت اللقاءات بالمهندس ماهر أباظة، الذى نجح فى أن يتحقق على يديه توصيل الكهرباء إلى كل ربوع مصر، حتى أصبحت خريطة مصر مضاءة فى الصور التى تلتقطها الأقمار الصناعية. فقد نجح فى أن يوطِّن تصنيع المحولات حتى 220 كيلو فولت فى مصر، وكذا صناعة الكابلات والأبراج الكهربائية، ووصل فى تصنيع محطات التوليد إلى 45% كمدخلات محلية، بينما عادت الآن على يد الدكتور شاكر إلى صفر%، وأصبحت المحطات الجاهزة التى تعمل وتدار بواسطة الخواجة الألمانى هى البديل. لتغرق مصر فى ديون محطات التوليد المستوردة وبما يصل، حسبما ذكر الدكتور محمد شاكر الوزير الحالى نفسه، إلى 615 مليار جنيه. بينما الحقيقة أن أزمة مصر لم تكن فى المحطات، بل فى الوقود، والذى تم حل مشكلته بعد 30 يونيه، سواء بدعم الأشقاء العرب، أو بما فتح الله به على مصر من اكتشافات، منها حقل ظُهر. غدًا الجزء الثانى من المقال ماذا وجد أباظة فى بيت ناصر وكيف صعقته عيونه