أسامة داود يكتب عن المنقذ المنتظر: محمود محيى الدين.. رجل المتناقضات

أسامة داود يكتب عن المنقذ المنتظر:  محمود محيى الدين.. رجل المتناقضات

متعدد المواهب مجامل مهذب عف اللسان جاد فى تعاملاته 

كان أفقر الوزراء ماليًا وليس ممن أثروا وتربحوا من مناصبهم 

لكنه:

جعل يوسف بطرس غالى قبلته أينما يكُن تكُن وجهته يؤيد ما يؤيده

جوكر على موائد ألاعيب السياسة وشعاره: لا أرى.. لا أسمع.. وأتكلم بما تعشق السلطة أن تسمعه

لم يعارض فكرة ولم ينتقد رأيًا لحكومات رجال الأعمال التي أساءت لمصر رغم الجينات الوراثية المعارضة لأسرته

كان ضالعًا مع آخرين فى محاولة فاشلة لبيع عدد من شركات البترول منها ميدور وأموك وسيدبك 

هل يصلح محمود محيى الدين ليصبح ربانًا ينقذ سفينة الاقتصاد المصرى؟

هل نجح عمله فى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى في إعادة تكوينه ليصبح مؤهلاً كصاحب قرار وليس منفذًا لإملاءات؟

هل سيكون نصيرًا  لأفكار مؤسسات النقد الدولية  يفرض على الدولة ما كان يصعب أن يفرضه من خلال موقعه السابق؟


ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو حالة الافتتان بين العامة  بمحمود محيى الدين الذى يرشحه البعض من باب التمنى لرئاسة وزراء مصر بديلاً لمصطفى مدبولى، حيث يعتبره البعض المنقذ المنتظر أو زورق نجاة سينتشل الاقتصاد المصرى من الغرق، حتى ولو كان من رموز صندوق النقد الدولى الذى أغرق مصر فى دوامة الديون وأجبرها على التعويم ورفع أسعار كل شىء فى مصر.

محمود محيى الدين شغل العديد من المناصب فى عدة مؤسسات محلية ودولية آخرها في مصر كانت توليه مسئولية وزارة الاستثمار فى الفترة من 2004 حتى 2010، قبل أن يصبح نائبًا للبنك الدولى ثم مديرًا لصندوق النقد الدولى كأول مصرى وعربى يشغل هذا المنصب. 

وبعد نهاية عمله في صندوق النقد الدولى فى عام 2020 أصبح مبعوثًا خاصًا للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة.

عرفته منذ منتصف التسعينيات، شاب يمتلك من الحماس والتطلع والطموح ما يجعله ممن يحددون أهدافهم بدقة ويتدبرون أمرهم، وبسرعة الفهد وقدرته وبعيون الصقر ودقته على فرز الغث من السمين كان محمود محيى الدين مشروع رجل لديه كل المؤهلات تقريبًا.

كان مدرسًا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والتي كانت نقطة الانطلاق في منتصف التسعينيات من القرن الماضى عندما كانت موقع جذب المفكرين والسياسيين والاقتصاديين عبر ندوات مسائية تناقش فيها كل البحوث والدراسات والرؤى وتدعى لها قوى المعارضة وصحافتها على قدم المساواة مع المدافعين عن الحكومات والمتدثرين بعباءة السلطة. حدث ذلك وقت أن كان الدكتور على الدين هلال عميدًا لها.

كانت تلك البوتقة هى ما انصهر فيها محمود محيى الدين، ساعده فى ذلك بالطبع موروثاته عبر عائلته التى توجت بالمشاركة فى ثورة 1952 وهو ما جعله دبلوماسيًا وسياسيًا بارعًا لديه القدرة على أن يكون همزة الوصل فى كل الندوات مُستقبِلًا ومُرحِبًا جيدًا مما جعله على علاقة وثيقة برموز السياسة والاقتصاد من كل التيارات السياسية ومختلف المدارس الاقتصادية من خلال الندوات التي تعقدها الكلية في تلك الحقبة بكثافة.

كان سياسيًا حازقًا لم يعارض فكرة ولم ينتقد رأيًا حتى ولو كانت الجينات الوراثية لأسرته معارضة، باعتباره كما قلت سليل عائلة كان لها اثنان فى مجلس قيادة ثورة 1952 وهما الأخوان زكريا وخالد محيى الدين، والأخير هو الذى مثّل جبهة معارضة لكل الأنظمة طوال حياته وكان أحد أشرف رجال ثورة 1952.

لكن محمود محيى الدين لم يرتبط بفكر أى من أقاربه الثائرين القدامى، كان دائمًا يلتقي ويستقبل يوسف بطرس غالى الذى كان يتولى وزارة التعاون الدولى فى ذلك الوقت  وأستاذًا سابقًا بنفس الكلية، حيث إن غالى من الشخصيات التى تنتمى لعائلة تعيش دائمًا فى عباءة السلطة، أى سلطة حتى ولو كانت سلطة الاحتلال.

وعلى ما يبدو أن الحس السياسى لا الاقتصادى لدى محمود محيى الدين كان يجعله يرى أن الورقة الواحدة التى لن تُبلى وسوف تبقى هى التصاقه بيوسف بطرس غالي الجوكر على موائد ألاعيب السياسة، وهو ما جعل ارتباط محيى الدين بمثل شخصية غالى وثيقًا.. وباعتبار أن من يريد الصعود دائمًا عليه أن يسير وفقًا لنهج: لا أرى.. لا أسمع.. وأتكلم بما تعشق السلطة أن تسمعه فكان من أنصار نهج الإطراء.

كان ذلك الزمن هو المرحلة الفاصلة بين جمهوريتين، جمهورية الكهول وجمهورية يجرى فى الدهاليز تجهيزها بالطبع بعلم وبمباركة الأب مبارك الشيخ الطاعن فى السن، والذى ترك جمال مبارك الابن الأصغر ليمارس كل ألاعيب التجارة والبيزنس حتى الاتجار فى ديون مصر من خلال البنوك الدولية التي عمل بها، وفى السياسة عبر بوابة جمعية جيل المستقبل الذى أنشأها جمال نفسه فى 1998 مع مجموعة رجال الأعمال والتي تحولت إلى طُعم لإسالة لعاب الهتيفة وبهدف بدء صناعة مريدين له على طريقة أتباع الطرق الأيديولوجية.

كل ذلك ساعد بشكل فعال في تعبيد الطريق أمام محمود محيى الدين في توقيت جعله محظوظًا للغاية حيث توهج نجم جمال مبارك بالانضمام إلى فريق رجال الأعمال المُطعم برجال السياسة أمثال بطرس غالى وأحمد نظيف وهو الفريق الذى كان يجهز فى الدهاليز له باعتباره الوريث لعرش مصر.

كان محمود محيى الدين قد التصق كليًا بيوسف بطرس غالى الذى كان كثيرا ما يكون ضيفًا متحدثًا في ندوات جامعة القاهرة ليجعله محيى الدين قبلته، أينما يكن  بطرس تكن وجهته، كان بارعًا فى توجيه البوصلة السياسية واختار القفز وبسرعة الفهد فى زورق بطرس غالى ابن العائلة الأرستقراطية والذى ورث من أسلافه مهارات التنقل بين كل الأضلاع حتى ولو كان ضلعًا محتلا للوطن كما يشهد تاريخ عائلته.

كانت تلك المرحلة قد وضعت محيى الدين على محركات الانطلاق تجاه مواقع قيادية عديدة منها عضوية مجالس إدارة بنوك وجامعات بلغت خلال سنوات الانطلاق الأولى استحواذ محيى الدين على 22 موقع عضو مجلس إدارة لبنوك وجامعات ومؤسسات وممثلا لجهات حكومية وليتم اختيار بطرس غالى له كمستشار يلازمه في كل الوزارات التي تولاها بداية من التعاون الدولى ومرورًا بوزارة الدولة للشئون الاقتصادية ووزير الاقتصاد ووزير الاقتصاد والشئون الخارجية ووزير التجارة الخارجية وكلها وزارات كان يتم خلقها ليوسف بطرس غالى وكان محيى الدين ملتصقًا به التصاقًا كاثوليكيًا.

حتى أن المناصب التي تقلدها محمود محيى الدين قبل وصوله إلى مقعد وزارة الاستثمار في حكومة نظيف وصلت إلى 22  موقع عضو مجلس إدارة لجامعات وبنوك ومناصب مختلفة كما سبق وأشرت فقد تقلد موقع المستشار لعدد 8 مرات وهو بصحبة بطرس غالى.

وزير في وزارة الوريث

ومع بدء استقواء مجموعة جمال مبارك ، بدأت تعلن عن نفسها عبر تفكيك حكومة عاطف عبيد باعتباره آخر رئيس وزارة يختاره الأب ليحين وقت الوريث وليبدأ بالاستعاضة عنها بوزارة جاءت تتويجًا لزواج تم شرعنته بالإكراه بين السلطة ومجموعة من رجال الأعمال ينتمى بعضهم إلى بعض عبر المصاهرة وصلة الدم.

فكان منصور شيفورليه الملقب باسم البيزنس الخاص به ومعه زهير جرانة وأحمد المغربى ورشيد محمد رشيد ثم محمود محيى الدين وجميعهم وزراء تحت قيادة أحمد نظيف الذى لم يكن يفعل شيئًا طوال رحلته الوزارية إلا ما يخدم مصالحهم لتزايد نفوذهم السياسى مع مكاسب مادية لا حصر لها عبر تسهيلات في الاستحواذ على الأراضى والفنادق وغيرها من المشروعات المملوكة للدولة بتراب الفلوس.

هنا نعرف أن بطرس غالى هو رهان محمود محيى الدين الرابح، خاصة وأن بوصلته السلطة أينما كانت، وكان الانتقال من عهد مبارك إلى عهد الوريث لبطرس الذى انتقل من التجارة الخارجية إلى وزارة المالية أمراً سهلاً، وهنا حان الأوان لأن يصعد محيى الدين من مقعد المستشار إلى مقعد وزير الاستثمار والذى لم يغادره إلا إلى العمل فى البنك الدولى في 2010 وقبل شهور من اشتعال شرارة ثورة 2011 وكان ذلك من حسن حظه وقبل أن يصبح مطاردًا مثل الباقين ممن كان يطلق عليهم لقب فلول نظام مبارك.

كانت علاقة نظيف برجال جمال مبارك في السلطة تمثل مصدر قوة له، فمعظم جلسات نظيف غالبًا بمزارع الموز المملوكة لأحمد المغربى بمنطقة وادى النطرون حتى إنه أثناء قيامه بافتتاح محطة توليد الكهرباء بالنوبارية عرج فى طريقه إلى مزرعة المغربى من الصحراوى، ومع جلسات الفطير والعسل والقشطة نسى الموعد وترك عددًا من الوزراء تحت أشعة الشمس فى أرض محطة النوبارية يشاركون العاملين زجاجات المياه المخصصة لهم.

وكان جميع المنتظرين له لافتتاح محطة الكهرباء من وزراء العهد القديم أتباع الأب مبارك ومنهم حسن يونس وسامح فهمى ووزير الإنتاج الحربى سيد مشعل، وتلك القلة كانت هي كل ما تبقى لمبارك في السلطة الذى لم يكن يعيش آخر عشر سنوات - كما قال أثناء التحقيقات معه بعد ثورة 2011 - وضع السلطة إلا من باب الإملاءات التى تفرض عليه ممن أطلق عليهم الحرس الجديد الذى يمثل سياجًا فولاذيًا حول الوريث جمال مبارك.

ورغم قفزات محمود محيى الدين إلا أنه للأمانة كان  مجاملاً يهتم بكل كبيرة وصغيرة مهذبًا عف اللسان جادًا فى تعاملاته، لديه القدرة على إنشاء صداقات وعلاقات مع الجميع ولم أذكر يومًا ما أن اتصلت عليه إلا وكان يعيد الاتصال عندما يجد رقم هاتفى على هاتف منزله.

واستمر صعوده مع عدم اهتمامه بالجانب المادى، فكان وللأمانة أفقر الوزراء ماليًا، وهو ما كان دافعًا وحافزًا يؤهله ليصبح بمثابة ورقة توت تستتر بها حكومة البيزنس، ولأن يصبح واحدًا من فريق تم تشكيله عبر أحمد عز رجل الأعمال والذى بدأ بناء قاعدة من رجال الأعمال دفع بهم إلى السلطة ليكون الجناح الاقتصادى لجمال مبارك وريث عرش مصر.

وأتذكر أننى عندما كتبت مقالاً أنتقد فيه مجموعة الحرس الجديد طلب منى الأستاذ عبدالله السناوى رئيس تحرير "العربى" الناصرى أن أكون فى صحبته إلى مقهى مجاور لمقر الجريدة فى شارع يعقوب وبعد جلوسنا على المقهى سألنى: لماذا تهاجم محمود محيى الدين؟ قلت لم أهاجمه ولكن أنتقد ضلوعه مع مجموعة أحمد عز وجمال مبارك وبطرس غالى في محاولة تهيئة الوضع لبيع عدد من شركات البترول منها ميدور وأموك وسيدبك، وشرحت له أن تلك الشركات تمثل جزءًا من الأمن القومى لمصر، كما أنهم بعد بيع شركات الأسمنت الوطنية قرروا منح مستثمرين 13 رخصة أسمنت وطالبوا وزير البترول بتوفير غاز طبيعى مدعوم لهم وكان سعر المليون وحدة حرارية غاز يباع للمصانع بواحد دولار فقط بينما كان يتم شراؤه من الشركاء الأجانب بسعر 2,65 دولار لكل مليون وحدة حرارية.. وأشرت إلى مصنع ساويرس للأسمنت وغيرها.

وشرحت للسناوى كيف أن محمود محيى الدين يؤيد ما يؤيده بطرس غالى، حتى إنهم بعد إنشاء وزارة البترول لمحطة تموين أتوبيسات النقل العام بالغاز الطبيعى بهدف توفير منتج السولار مرتفع الثمن، قررت الحكومة - التى كان بطرس ومحمود المحركين لها - استيراد أتوبيسات تعمل بالسولار الخالى من الرصاص غير المنتج فى مصر ، وهو ما يضع مسئولية توفير هذا النوع للأتوبيسات عبر الاستيراد من الخارج وليس من معامل التكرير المصرية وكان ذلك نوعًا من المكائد ووضع العراقيل أمام وزارة البترول بهدف خلع سامح فهمى الذى كان يحقق نجاحات تبهر مبارك الأب ويساهم في حل مشاكل البطالة عبر مشروعات جديدة جعلته يسكن قلوب المصريين وهو ما كان يزعج رجال جمال مبارك. 

فقال السناوى لى إن محمود محيى الدين من أفقر الوزراء ماليًا، وأسرّ لى بأن محيى الدين اقترض مبلغ 5 آلاف جنيه ليصلح بها "مندرة" والده فى بيت العائلة، ورغم أنه وزير لكنه ليس ممن أثروا وتربحوا من مناصبهم. 

لا خلاف بالطبع على الذمة المالية للرجل ولكنه لم يكن أكثر من منفذ لسياسات فرضها بطرس غالى أحد أعمدة الحرس الجديد الذى يقودهم أحمد عز كذراع أيمن لجمال مبارك.

والسؤال هنا بعد التطرق إلى محطات فى تاريخ الرجل وتوجهاته.. هل يصلح محمود محيى الدين ليصبح ربانًا ينقذ الاقتصاد المصرى؟

هل موقع رئاسة الحكومة بالنسبة له سوف يكون مختلفًا عن وزارة الاستثمار التى كان يعمل فيها كمنفذ لتوجيهات فقط وهو دور التابع والذى لا يصلح مع موقع رئيس الحكومة الذى يتسلم بموجبه كل السلطات مقابل أن يحاط عنقه بكل المسئوليات؟

هل نجح صندوق النقد الدولى في إعادة تكوين محمود محيى الدين خاصة بعد ابتعاده عن وزراء البيزنس ليصبح مؤهلًا لأن يكون صاحب قرار وليس منفذًا لإملاءات؟

أم أنه سوف يكون نصيرًا  لأفكار صندوق النقد يفرض على الدولة من خلال منصب رئيس الحكومة ما كان يصعب أن يفرضه من خلال موقعه السابق كمدير للصندوق؟

اقرا ايضا

أسامة داود يكشف : إيثيدكو وإيلاب والحفر.. مهرجان بيع 3 شركات رابحة بثمن بخس

أسامة داود يكشف: خطة تجريف قطاع البترول من القيادات ( 2 )

أسامة داود يكشف: المسكوت عنه في ملف بيع الشركات الرابحة (3)

أسامة داود يكشف: لغز إطاحة الملا بكفاءات البترول بدون سبب

أسامة داود يكشف: خطة تجريف قطاع البترول من القيادات ( 2 )

أسامة داود يكتب: كيد النسا فى البترول

أسامة داود يكتب : قفزات هشام نور الدين .. ومخططه بعد الستين (3)

أسامة داود يكتب: صدقت توقعات طاقة نيوز منذ 20 يوما .. وهشام نور الدين يعود لرئاسة “موبكو (2)

أسامة داود يواصل حملته : أرامل إبراهيم خطاب

أسامة داود يكتب : بعد إقالة ابراهيم خطاب وتصعيد راندى.. من هو وزير البترول القادم؟

أسامة داود يكتب : شجرة البترول التى أخلص لها سامح فهمى

أسامة داود يكشف : تناقضات أرقام انتاجنا من الغاز الطبيعى

أسامة داود يتساءل : هل يتم تصفية بترول جنوب الوادي؟