مذكرات قنديل : العناية الإلهية أنقذت مصر من مجاعة بترولية فى 67 ( الحلقة الرابعة )
19 سبتمبر 2023 | بتوقيت 8:36 صباحًا

حكاية المركب الأجنبى الذى استوليت عليه لنقل الخام لتكريره بالخارج واستعادته كمنتجات
استقبلنا أول برميل من حقل المرجان قبل نكسة 67 بـ 52 يومًا فقط
المناطق التى احتلتها إسرائيل بسيناء كانت تمدنا بـ 90% من الإنتاج اليومى للبترول ومشتقاته
شركة فيليبس الأمريكية اكتشفت حقلاً بمنطقة «العلمين» فى نفس عام النكسة
العدو قسم معامل التكرير لمربعات واستمر يضرب فيها بالقنابل من «عيون موسى» طوال الليل
نقلنا أول شحنة لخام «المرجان» من «شقير» لـ «السخنة» عبر المركب الوحيد الذي نمتلكه
القوات المسلحة وضعت خطة سرية لتأمين الحقل اليتيم أثناء حرب أكتوبر
تواصل “طاقة نيوز” نشر كتاب الكاتب الصحفى أسامة داود عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق والذى ستصدر طبعته الرابعة قريبا ، والذى صدر بعنوان : عبد الهادى قنديل .. حكايتى مع مبارك ورجال ناصر والسادات.. أسرار تنشر لأول مرة ، ضمن سلسلة حوارات أجراها داود عام 2017 مع الرجل الذى تولى منصب وزير البترول – فى زمن مبارك لمدة 7 سنوات من عام 1985 حتى عام 1992 – وكانت بمثابة مذكرات ووقائع لم تُنشَر من قبل.
والى تفاصيل الحلقة الرابعة والتى يواصل فيها قنديل كشف أسرار مرحلة نكسة يونيو ودور حقول البترول فى إنقاذ مصر ، وحكاية المركب الذى قرر الاستيلاء عليه لنقل الخام إلى مناطق خارج مصر؛ لتكريره واستعادته كمنتجات بعدما هربت كل المراكب الأخرى خارج مصر :
حقل العلمين.. شمعة فى ظلام النكسة
يقول قنديل : بدأ الإعداد للإنتاج من حقل المرجان، وكانت عملية شاقة جدًّا، وتم الإسراع بتركيب المنصات البحرية وخطوط نقل الزيت التى امتدت فوق قاع مياه خليج السويس؛ بهدف الإسراع فى وضع الحقل على الإنتاج؛ ليتم استقبال أول برميل من منطقة المرجان، وبعناية الله يتم الإنتاج يوم الخميس 13 إبريل من عام 1967 وقبل بدء حرب 1967 بـ 52 يومًا فقط؛ ليبدأ استقبال أول برميل بترول من أول بئر فى حقل المرجان وبمعدل يومى قدره 2000 برميل يوميًّا، وليكون هذا الحقل له أغرب قصة فى تاريخ البترول المصرى.
وكانت العناية الإلهية التى أنقذت مصر من مجاعة بترولية، وبعد احتلال إسرائيل سيناء، بذل قطاع البترول كل ما فى وسعه لمضاعفة إنتاج الحقل، وتضاعف هذا المعدل فى حقل المرجان؛ ليصل إلى 100 ألف برميل يوميًّا فى أول أكتوبر 1967، أى بعد أقل من 4 أشهر، ومع التوسع فى إقامة محطات الإنتاج واستخدام التكنولوجيا المتطورة قفز إنتاج حقل المرجان قفزات واسعة.
فى مايو 1969، وبعد تشغيل محطة الإنتاج رقم 8 لحقل المرجان، وصل الإنتاج إلى 200 ألف برميل يوميًّا. وفى عام 1970 كانت محطات الإنتاج قد تزايدت؛ لتصل إلى محطة المرجان رقم 36، وليصل الإنتاج إلى 300 ألف برميل يوميًّا.
وشاءت الظروف أن يبدأ حقل المرجان فى أصعب وأحلك الظروف التى مرت على الوطن، وهى حرب 1967، ثم 1973، وكانت المناطق التى احتلتها إسرائيل (حقول سيناء) تمد مصر بحوالى 90% من الإنتاج اليومى للبترول ومشتقاته، ولهذا السبب أصبح المرجان ذا أهمية بالغة لتعويض هذا النقص الكبير، وبالفعل أنقذ المرجان اقتصاد مصر بفضل الله وبعزيمة العاملين فى قطاع البترول وبإصرار من قيادات قبلت التحدى فى أحلك الظروف، فنجحوا فى مضاعفة جهودهم؛ لتتزايد عمليات البحث والتنقيب والتنمية وإنتاج الحقل؛ ليصل إلى رقم ضخم من الإنتاج.
ثم جاءت حرب أكتوبر 1973، وأصبح هناك خوف كبير؛ لوجود حقل المرجان فى مسرح العمليات الحربية، لكن القوات المسلحة كانت قد وضعت خطة سرية لتأمينه أثناء الحرب.
حقل العلمين.. شمعة فى ظلام النكسة
لم تتوقف نتائج شجاعة وإقدام أحمد كامل البدرى – حسب رأى عبد الهادى قنديل – عند حدود حقل المرجان الذى اكتشفته شركة أموكو الأمريكية، والتى دخلت مصر بعدما استطاع هو دون غيره إقناع جمال عبد الناصر بهذا الأمر.. ولكن تأتى النتيجة الثانية خلال أيام النكسة «بعدما فقدنا كل شيء بعد هزيمة 1967، مثل: حقول البترول ومعامل التكرير، وأصبحنا بلا أى شيء، فوجئنا بأن الله فتح لنا أبوابًا لم نكن نتوقعها».
هكذا استكمل المهندس «عبد الهادى قنديل» حديث الذكريات عن فترة النكسة وبعدها، مضيفًا أن: « حقل المرجان بعد أن استقر إنتاجه، لم يكن يكفى تغطية احتياجاتنا البترولية، خاصة أن الجيش كان فى مرحلة إعادة بناء، ويتطلب عمليات تدريب تستنفد كميات كبيرة من الوقود».
متابعاً: «بالإضافة إلى حاجة الاقتصاد المصرى والتنمية إلى المزيد من الطاقة. كان تدبرنا للأمر على قدر الاجتهاد والبحث عن مصادر جديدة للطاقة، وكانت قيادات قطاع البترول فى تلك الفترة تدفع فى اتجاه الشركات صاحبة الامتياز لتكثيف عمليات البحث بالقرب من الصحراء الغربية؛ باعتبارها المنطقة الآمنة، ولم تمر أسابيع على هزيمة يونيو، حتى كانت هناك مفاجأة من العيار التقيل».
المفاجأة – كما يروى «قنديل» – تمثلت فى الشركة الأمريكية الأخرى، التى كان البدرى سببًا فى دخولها للبحث عن البترول فى مصر، وهى شركة فليبس، بأن اكتشفت حقلاً بمنطقة «العلمين» فى نفس العام 1967، وكان له تأثير إيجابى على توفير القدر الكافى من احتياجاتنا البترولية، وأصبح ما اكتشفناه بديلاً عن حقول سيناء؛ لنبدأ فى وضع خطة للاستفادة القصوى مما تم اكتشافه من بترول، فتولى سلاح المهندسين بالقوات المسلحة تطهير المنطقة من ألغام الحرب العالمية الثانية، وتم مد خطوط أنابيب من الحقل الذى يبعد 36 كيلو مترًا فى الصحراء، وإنشاء مستودعات لفصل الزيت عن المياه ومستعمرة سكنية وشمندورة عائمة كبداية لميناء الحمرا، الذى أنشئ لتقوم السفن من خلاله بالحصول على البترول ونقله إلى ميناء الإسكندرية ومنه لمعمل التكرير، وكل هذه الأعمال تمت فى وقت قياسى.
ولكن كانت هناك مشكلة أخرى – حسب كلام قنديل – أنه لم يتبقَّ لدينا معامل لتكرير الخام سوى معمل الإسكندرية محدود القدرة، ولم يكن لدينا مراكب لنقل الخام إلى مناطق خارج مصر؛ لتكريره واستعادته كمنتجات، خاصة وأن الحرب جعلتنا منطقة غير آمنة بالنسبة لناقلات البترول.. فما العمل؟
يجيب «قنديل» بنفسه عن السؤال قائلاً: «كنتُ وقتها أشغل موقع مدير عام العمليات بهيئة البترول، يومها تصرفتُ خارجًا عن إطار الشرعية الدولية، فقد استوليتُ على مركب لا أتذكر جنسيته، بعدما هربت كل المراكب الأخرى خارج مصر، ولم يكن لدينا سوى مركب واحد نملكه، ويُطلَق عليه اسم السد العالى».
كنا نقلنا أول شحنة لخام «المرجان» من «شقير» إلى «السخنة» من خلال هذا المركب الذي نمتلكه، ولكن لم يكن يكفى لنقل الخام إلى دول أخرى؛ للقيام بتكريره وإعادته فى حالة نجاح مساعينا فى إبرام اتفاق مع تلك الدول».
مضيفاً: «وضعتُ يدى على المركب الأجنبى، وأصدرتُ أمرًا بالاستيلاء عليه مؤقتًا، واستخدمناه فى النقل، بينما كان هناك مركب آخر أجنبى تركه البحارة، وسافروا خارج مصر، فلم يكن أمامنا إلا استخدامه؛ ليصبح تحت تصرفنا ثلاث ناقلات فقط»..
إقرأ فى الحلقة 5
العدو الإسرائيلى دمر معامل تكرير البترول ردًّا على ضرب إيلات
مررنا بحالة سيئة لعدم توفير المواد البترولية بعد انهيار معملى السويس والنصر
العدو كان لايتوقف عن القصف لضرب الروح المعنوية للشعب ومنعه من إعادة بناء جيشه
طلبنا من السوفييت أن نُصدِّر لهم الخام على أن يرسلوا لنا مواد بترولية عن طريق ميناء الإسكندرية
المستشار التجارى السوفيتى قال لى فى صلف وغرور ماذا تريدون منا بالضبط؟ سلاحًا، أم طعامًا، أم بترولاً؟