أخبار عاجلةثابتسلايدرملفات وتقارير

مذكرات قنديل : ماذا فعل العدو الإسرائيلى فى معامل التكرير ردأ على إغراق إيلات ؟ ( الحلقة الخامسة )

25 سبتمبر 2023 | بتوقيت 8:00 صباحًا

كتب:

واجهنا أزمة فى تدبير المياه للغردقة ورأس غارب لعدم توافر مراكب

بعد احتلال سيناء عجزنا عن إيجاد مكان آمن لتكرير الزيت الخام

مررنا بحالة سيئة لعدم توفير المواد البترولية بعد انهيار معملى السويس والنصر

التكرير بعدن كان الحل السحرى حتى نطمئن لإعادة تشغيل وحدات معمل السويس

طلبنا من السوفييت تصدير الخام لهم مقابل مواد بترولية عبر ميناء الإسكندرية فرفضوا

المستشار التجارى السوفييتى قال لى فى غرور : ماذا تريدون منا بالضبط؟

 

تواصل “طاقة نيوز” نشر كتاب الكاتب الصحفى أسامة داود عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق والذى ستصدر طبعته الرابعة قريبا ، والذى صدر بعنوان : عبد الهادى قنديل .. حكايتى مع مبارك ورجال ناصر والسادات.. أسرار تنشر لأول مرة ، ضمن سلسلة حوارات أجراها داود عام 2017 مع الرجل الذى تولى منصب وزير البترول – فى زمن مبارك لمدة 7 سنوات من عام 1985 حتى عام 1992 – وكانت بمثابة مذكرات ووقائع لم تُنشَر من قبل.

والى تفاصيل الحلقة الخامسة والتى يتذكر «عبد الهادى قنديل» واقعة ضرب المدمرة «إيلات» مساء 21 أكتوبر 1967، وكان عليها أكثر من 250 ضابطًا وجنديًّا إسرائيليًّا.

يقول : وسط هذه الفرحة التى عاشتها مصر، حدثت مصيبة لقطاع البترول، حيث قسَّم العدو معامل التكرير إلى مربعات، كل مربع 20 مترًا، واستمر الضرب فيها بالقنابل من «عيون موسى»، وظلَّ الضرب طوال الليل.

ويسرد «قنديل» تفاصيل ما حدث قائلاً: « اجتمعتُ ليلتها مع المهندس «رمزى الليثى» رئيس شركة السويس للتكرير، والمهندس «سليم كيرلس» مدير العمليات بالشركة، و«محمود حامد الحفناوى» رئيس شركة النصر للبترول، واتفقنا على ضرورة نقل الوحدات إلى القاهرة؛ لأنه من المستحيل الاستمرار فى الاعتماد على معمل الإسكندرية فقط، وبدأنا فى عملية النقل، كما أعدنا ترتيب استخدامات مصر مرة أخرى من الوقود».

مضيفاً: «بدأنا إجراءات نقل المعمل إلى منطقة مسطرد بالقاهرة، كما بدأنا تفكيرًا مختلفًا من التخطيط والتجهيز لمصر وتوفير احتياجاتها من الطاقة وبشكل آمن.

وتضمن تفكيرنا البحث عن بديل أيضًا بعيد عن القاهرة وفى نفس الوقت نستطيع من خلاله توفير التغذية اللازمة لمناطق الدلتا.

ووقع الاختيار على منطقة طنطا التى لم تكن مُتصلة بالقاهرة بخطوط لنقل الخام، وكان من الصعب تنفيذ ذلك؛ لأن الأراضى الزراعية مناطق رطبة ورخوة، لكننا استطعنا التغلب على كل ذلك».

يقول «قنديل»: «ما يميز قطاع البترول أنه مع كل كارثة لا يقتصر التفكير على علاج الأزمة، ولكن يمتد لمواجهة كل الأزمات المماثلة ومنع تكرارها ، وهو ما تجسد فى التعامل مع هذه المعضلة».

يُفصِّل «قنديل» الكلام فى هذه الإشكالية، حيث يقول: «الغردقة ورأس غارب هما أصلاً مدينتان بتروليتان، وكان يعيش بهما عائلات، تعتمد علينا فى تموينها بالمياه قبل الحرب، ووجدنا أنفسنا فى أزمة كيف يتم تدبير المياه لها بينما لا تتوافر لدينا مراكب قادرة على نقل المياه».

متابعاً: «توصلنا إلى حل، وهو أن تعود المراكب التى تنقل الزيت الخام من غرب السويس لتصديره- بعد أن فقدنا معامل التكرير فى الحرب- محملة بالمياه، وللتغلب على تلوثها ببقايا الزيت، أنشأنا وحدات تنقية للمعالجة، ثم إعادة ضخها للمواطنين».

 

ويُكمِل «قنديل»: «مع الحرب واحتلال سيناء أصبحنا نعجز عن إيجاد مكان آمن لتكرير الزيت الخام الذى ننتجه من حقل «المرجان»، وهو الحقل اليتيم الذى أفلت من قبضة العدو الإسرائيلى بالعناية الإلهية. بينما كان حقل العلمين المُكتشف بعد أسابيع من الهزيمة لا يزال يحتاج إلى وقت لتنميته ووضعه على الإنتاج».

مضيفاً: «سافرتُ إلى لندن لمقابلة رئيس شركة «بريتش بتروليم»، وكانت «عدن» وقتها مستعمرة إنجليزية ومنفصلة عن اليمن، وبها معمل يتبع «بريتش بتروليم»، وكان من تولى تحديد هذا اللقاء هو «وجيه قطب» رئيس شركة مصر للبترول وقتها، وكانت له علاقات بقيادات «بريتش بتروليم»، وتوسط لنا لمقابلتهم؛ والتفاهم معهم للقيام بتكرير الخام المصرى فى عدن».

«كنا نمر بحالة سيئة؛ لعدم وجود قدرة على توفير احتياجات البلاد من المواد البترولية بعد انهيار معملى السويس والنصر، وكان التكرير بعدن هو الحل السحرى، حتى نطمئن لإعادة تشغيل وحدات معمل السويس، والتى تم نقل ما أنقذناه منها من القصف إلى منطقة مسطرد بالقاهرة، والتى تحولت إلى معمل القاهرة لتكرير البترول منذ ذلك الوقت وحتى الآن»، كما يروى «قنديل» الذى أردف قائلاً: «بدأنا نُصدِّر الخام المصرى ونكرره؛ لتعود المراكب بالمنتجات، وبعض المراكب كانت تعود بالمياه بدلاً من المنتجات؛ لضخها للمواطنين فى الغردقة بعد معالجتها، وكانت عملية المعالجة تتم فى وحدات تنقية أنشأناها بسرعة».

متابعاً: «ولكن ظهرت لنا مشكلة، وهى كيف نقوم بتخزين البترول الخام؛ لأننا كنا ننتج كميات أكبر من سعة المستودعات الموجودة فى الغردقة ورأس غارب، بالإضافة إلى عدم توافر مراكب لنقله للتكرير خارج البلاد وتحويله إلى منتجات».

«وأمام تراجع كميات المازوت، قررنا استخدام الخام فى تشغيل محطات الكهرباء مباشرة؛ ليحل محل المازوت، الذى كان يصعب علينا الحصول عليه، باعتباره أحد المشتقات من عملية التكرير التى لم تكن متوافرة بشكل كافٍ، ومن ثمَّ قررنا توفير المازوت للأغراض الأخرى غير توليد الكهرباء باعتباره الأكثر أهمية فى تشغيل المخابز» – بحسب «قنديل» – الذى أكمل: «أقول إن هذه الأفكار كانت تمثل اختراعًا، بعدما أصبحنا فى يوم وليلة وقد تحطم كل شىء فى البترول، حيث لم يكن العدو يتوقف عن القيام بعمليات قصف، فى محاولة لضرب الروح المعنوية لدى الشعب ومنعه من إعادة بناء جيشه، كما كانت إسرائيل تُنفِّذ غارات كل بضعة أيام؛ حتى تمنعنا من إعادة تشغيل معملى السويس والنصر قبل نقلهما. ورغم كل ذلك كان العاملون يعيدون تشغيلهما بعد عمليات الإصلاح؛ لتوفير أى كميات من المواد البترولية، وكان يتم نقلهما أولاً بأول خارج السويس، وفى نفس اليوم يتم ضربهما».

ويواصل «قنديل» كاشفًا للأسرار، قائلاً: «أتذكر أن المهندس «حسب النبى عسل»، وكان مدير الشئون الهندسية فى السويس، أحرق فى أحد الأيام، بعدما عجزنا تمامًا عن إصلاح المعمل، كميات من الخشب فى الفرن؛ ليخرج دخانًا، فى تحدًّ للعدو، وكأننا نجحنا فى إعادة التشغيل»!

«كانت تلك الخطوات تمثل تأكيدًا على أننا لن ننهار وأننا صامدون ونتمتع بروح معنوية عالية، ولكن المشهد الذى يصعب علىَّ أن أنساه»، بحسب «قنديل»، «هو ما حدث يوم 9 يونيو بعد احتلال سيناء، وكان يومًا لا تزال مرارته عالقة بلسانى، حيث نزلتُ السويس بعد وقف إطلاق النيران، ووجدت فى الناحية الشرقية جنديًّا إسرائيليًّا يعتلى مئذنة مسجد صغير، ويرفع صوته متهكمًا على الأذان، وكان يطلق الضحكات بصوت جعلنى أبكى بكاء مرًّا.

احمد عز الدين هلال وزير البترول فى وزارة الحرب عام 1973
احمد عز الدين هلال وزير البترول فى وزارة الحرب عام 1973

وأمام كل هذا كان عون الله أكبر، حيث تمالكنا أنفسنا، وأعدنا ترتيب أوراقنا، وواصل العاملون بالقطاع الليل بالنهار، وصنعنا وحدة تكرير صغيرة، وركبناها فى «طنطا» بجانب الوحدات التى نقلت للقاهرة؛ بهدف توزيع المعامل جغرافيًّا، وحتى إذا ما نجحت طائرات العدو فى الوصول لإحداها فشلت فى الوصول للأخرى، كما تمكنا من توصيل الزيت الخام من القاهرة إلى طنطا، وتم تشغيل الوحدة، ونقلنا الوحدات من شركة النصر للتكرير بالسويس إلى العامرية، بعدما تم تخصيص أراضٍ كان عليها قاعدة دفاع جوى، وأحضرنا الجرافات والمعدات الثقيلة؛ لتقوم بمسح المنطقة، وبدأنا إنشاء المعمل بمنطقة الإسكندرية؛ ليدخل مرحلة التشغيل سنة 1972 قبل الحرب بشهور، وهو ما أدى إلى تضاعف إنتاجنا من المنتجات البترولية».

«كان رئيس هيئة البترول وقت هزيمة 1967 وكانت الملاحة توقفت فى قناة السويس تمامًا، ونحتاج إلى تصدير كميات من خام حقل «مرجان» الذى كان قد بدأ إنتاجه قبل أيام من حرب الأيام الستة، وبالطبع يصعب تصديره إلا من ناحية الجنوب»، كما يقول «عبد الهادى قنديل»، الذى أضاف: «طلبنى «حسن عامر»؛ لأحضر مقابلة مع المستشار التجارى السوفييتى، فى مكتب الأول؛ لبحث إمكانية الاستفادة من السوفييت فى تصريف الخام وإعادته منتجات بترولية؛ نظرًا لعدم وجود قدرة تكريرية لدى مصر بعد ضرب معاملها فى السويس».

مضيفاً: «كان مضمون اللقاء هو أن طلبنا من السوفييت أن نُصدِّر لهم الخام، على أن يرسلوا لنا مواد بترولية عن طريق ميناء الإسكندرية، ففوجئتُ بالمسئول السوفييتى يلتفت لي، وقد تبدلت تعبيرات وجهه لتجسد نموذجًا من الخسة، متسائلاً: ماذا تريدون منا بالضبط؟ واستكمل فى صلف وغرور تساؤلاته الجارحة: أتريدون أن نقدم لكم سلاحًا، أم طعامًا، أم بترولاً، أم ماذا بالضبط؟!».

بنبرة غاضبة يستكمل «قنديل»: «هذه المقابلة أحدثت تغييرًا جذريًّا فى نفسى، مما أحدث تغييرًا فى تفكيرى، وجعلنى أتيقن ألا نعتمد إلا على الله ثم أنفسنا، وهو ما كان سببًا فى قرارات لى بعدما أصبحت رئيسًا لهيئة البترول فى 1980».

إقرأ فى الحلقة السادسة :

كتبت خطط توفير الوقود لمصر كلها بخط يدى وحافظت على سريتها

حروب 56 و1967 والاستنزاف علمتنا التعامل مع أصعب المواقف

«أحمد عز الدين هلال» كان أشبه برجل مخابرات وحصل من الشركة الأجنبية على الوثيقة السرية

«قبل ساعات من حرب 1973 تلقيت مكالمة : «نشوفك بكرة» وكانت «كلمة السر»

رمزى الليثى كان أكثر قيادات البترول معاناة وأدار معمل تكرير تحت القصف خلال النكسة

صور مع الحلقة :
«حسن عامر» شقيق المشير «عبد الحكيم عامر» و «والد طارق عامر محافظ البنك المركزى السابق»

طاقة نيوز تنشر كتاب حكايتى مع مبارك ورجال ناصر والسادات ( 1 )

مذكرات قنديل .. غضب عبد الناصر.. ومطلب السادات .. وحقل البترول الذى أنقذ مصر ( 2 )

مذكرات قنديل : لماذا استعان عبد الناصر بالشركات الأمريكية لاستكشاف البترول؟ ( 3 )

مذكرات قنديل : العناية الإلهية أنقذت مصر من مجاعة بترولية فى 67 ( الحلقة الرابعة )

 

زر الذهاب إلى الأعلى